بيان حال الكافر عند الاحتضار وخروج الروح، وما تتعرض له النفس الخبيثة من ألم شديد لا يقدر عليه بشر ، ووصف حاله من ريح نتن وكفن منتن، وبعد مروره برحلة طويلة من العذاب، يستقر به المقام في قبره الذي أصبح حفرة من حفر النار وجليسه فيه عمله السيء في الدنيا، وهذا على عكس ما جاء في وصف حال المسلم والمؤمن عند الاحتضار وخروج الروح، وفيه من الرد على المعتزلة الذين انكروا حياة البرزخ ونعيم القبر وعذابه.

الحديث:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش عن منهال بن عمرو عن راذان عن البراء بن عازب، قال: خرجنا مع النبي صل الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يُلحد، فجلس رسول الله صل الله عليه وسلم، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكتُ في الأرض، فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثًا» ثم قال صل الله عليه وسلم: « إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ……. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ، من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث، فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له» ثم قرأ رسول الله صل الله عليه وعلى آله وسلم: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} «فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا» ثم قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟، فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب فأفرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوئك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: ربي لا تقم الساعة» [حديث صحيح].

شرح الحديث:
في هذا الحديث القدسي بيان حال الكافر عند الاحتضار وخروج الروح، وما تتعرض له النفس الخبيثة من أهوال تبدأ مع لحظة الاحتضار، وتكفين الميت الذي يأتيه ملكان بصورة مخيفة مرهبة، ويصعدان به إلى السماء التي ترفض استقباله ثم يعودون به الأرض بعد أن يقضي الله حكمه فيه، بأن يكتب في سجين، ويعود إلى قبره، وتوجه له الأسئلة التي لا يفلح في إجابتها على الرغم من معرفته إجابتها في الدنيا، إلا أنه في هذه اللحظة ولشدة إنكاره لها في الدنيا يجيب بـ هاه هاه، أي لا أدري لا أدري، وجاء اللفظ بهذه الطريقة ليعبر عن شدة ما يرى من أهوال، حتى يستقر به الحال في قبره الذي أصبح حفرة من حفر النار يعذب فيه مع جليسه وهو العمل السيء أعاذنا الله وإياكم منه.