{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:1- 8]
فضل سورة لم يكن:
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ـ وهو ابن سلمة ـ أخبرنا على ـ هو ابن زيد عن عمار بن أبى عمار قال : سمعت أبا حية البدرى – وهو : مالك بن عمرو بن ثابت الأنصاري- قال لما نزلت : «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب» إلى آخرها، قال جبريل : يا رسول الله، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبياً، فقال النبي صل الله عليه وسلم لأُبَي: «إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة» قال أبي : وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال: « نعم » . قال : فبكى أبي. [ رواه البخاري].
تفسير الآيات:
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى {وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}: المشركون هم عبدة الأوثان والنيران، ومنفكين يعني منتهيين حتى يتبين لهم الحق، {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}: أي القرآن، {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً}: يعني محمد صل الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم، {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}: قال ابن جرير: أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ، {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}: أي أن أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا بعدما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا فيه اختلافًا كثيرا،
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}: حنفاء أي متحنفين عن الشرك إلى التوحيد، {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}: وهي أشرف عبادات البدن، {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ}: وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج، {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: أي الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}: أي ماكثين فيها لا يحولون عنها ولا يزولون، {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}: أي شر الخليقة التي برأها الله وذرأها
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}: وفيه خبر عن حال الأبرار الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بأبدانهم، بأنهم خير البرية {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}: أي يوم القيامة، {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}: أي بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}: ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم، {وَرَضُوا عَنْهُ}: فيما منحهم من الفضل والنعيم، {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}: أي هذا الجزاء حاصل لمن خشى الله واتقاه حق تقواه وعبده كأنه يراه، قد علم أنه إن لم يره فإنه يراه.