قامت الدولة العباسية على أنقاض الخلافة الأموية، وقد اتسعت رقعة الدولة العباسيّة مما أدى إلى قيام دويلات مستقلة عديدة منها الدولة الطاهرية في نيسابور، والدولة الصفارية في إيران، والدولة السامانية في إقليم ما وراء النهر، والدولة الحمدانية في الموصل وحلب، والدولة الطولونية في مصر، والدولة الإخشيدية في مصر أيضًا، والدولة الفاطمية في مصر، كما استقلّت دولٌ أُخرى في شمال أفريقيا لبُعدها عن مركز الخلافة العباسيَّة ومنهم الدولة المدارية، والدولة الرستمية والدولة الأغلبية ودولة الأدارسة، وسيتحدث هذا المقال عن تاريخ الدولة الغزنوية إحدى الدويلات التي استقلّت عن العباسيين.

تاريخ الدولة الغزنوية

تأسست السلالة الغزنوية عندما نجح الجنرال السابق ألب تكين في السيطرة على المناطق المتمركزة حول مدينة غزنه، وتوالي الحكام على مدينة غزنة حتى وصل الحكم إلى سبكتكين والذي قام في فترة حكمة بوضع حجر الأساس الحقيقي لدولة الغزنويين، وقام بتوسيع الإمبراطورية الغزنوية في المناطق الممتدة من نهر أوكسوس متجهاً إلى وادي السند والمحيط الهندي.

في عهد السلطان مسعود الأول تعرضت الدولة الغزنوية إلى العديد من الخسائر، فقد فقدت العديد من أراضيها أمام السلاجقة في معركة دندانكان، هذا الأمر أدي إلى تقييد مملكة الغزنويين بشكل كبير في أفغانستان وبلوشستان والبنجاب، وفي العام 1151 ميلادية خسر السلطان بهرام شاه مدينة غزنه أمام علاء الدين حسين من الغور وسيطر الغوريين على مدينة غزنة وقضوا على دولة الغزنويين، وتوغلوا في الهند حتى وصلوا إلى دلهي وسيطروا على لاهور وجعلوها عاصمة لدولتهم الجديدة.

لقرنين من الزمن كانت الإمبراطورية الغزنوية هي القوة الإسلامية الأولي التي كان لها سيطرة كبيرة في آسيا الوسطى والهند، وكانت القوة الإسلامية الأولى التي تنشر الإسلام في شعوب شبه القارة الهندية، وجعلت في النهاية المسلمين ثاني أكبر مجمع ديني في هذه المنطقة.

أصبحت الدول القومية مثل باكستان وبنغلاديش لها أصول من تراث الدولة الغزنوية، أما عن الحياة تحت ظل الدولة الغزنوية فقد كانت مسالمة وهادئة ومستقرة، وكان هناك العديد من الروابط القوية مع العباسيين في عاصمة الخلافة العباسية في بغداد، وكانت الإمبراطورية ورعايها من أهالي المناطق التي تسيطر عليها جزء من النظام السياسي الكبير الذي يسعى للتوسع بوعي ذاتي، لنشر الإسلام وتشجيع الطاعة لإرادة الله سبحانه وتعالى، حتى تصبح الأرض كلها دار السلام والإسلام حتى ولو تم استخدام بعض القوة حتى يتمكنوا من تحقيق غايتهم لإقامة هذه المجتمع المثالي.

السلطان محمود الغزنوي

هو محمود بن سبكتكين وفي الثاني من نوفمبر سنة 971 ميلادية، عرف باسم السلطان محمود الغزنوي ، حكم الدولة الغزنوية من عام 998 إلى عام 1030، عرف بالعديد من الأسماء حيث سمي في التركية باسم يمين الدولة والفارسية أبو القاسم محمود بن سبكتكين، أما اسمه بالكامل هو يمين الدولة عبد القاسم محمود سبكتكين.

السلطان له العديد من الألقاب مثل يمين الدولة وسيف الدولة والغازي وأمين الملة وبطل الإسلام، ومحطم الأصنام وفاتح الهند ويمين أمير المؤمنين، أما عن الاسم الذي أشتهر به فهو السلطان محمود الغزنوي.

لم تكن هذه الأسماء والألقاب التي لقب بها محمود الغزنوي من فراغ، حيث كانت الدولة الغزنوية في كامل قوتها وأفضل أوقاتها، بفضل حسن قيادته وهمته الشديدة لنشر الإسلام وتوسع رقعة الدولة، فقام بعد توليه الحكم بعقد معاهدة مع القراخانيين جيرانهم في الشمال وقام بعدها بالتوجه ناحية الهند، وخاض مع الهنود ما يقارب السبعة عشر معركة وظل في حروبه معهم من الفترة 1001م -1027م.

توسع السلطان محمود الغزنوي واتسعت مملكته فضمت من سمرقند وبخاري إلى قنوج وكوجرات، كما شملت بلاد ما وراء النهر وأفغانستان وسجستان وطبرستان وخراسان وكشمير، وتوسع وفتح عدد كبير من الولايات الشمالية الغربية في الهند، إلى أن توفي في 1030 م.

كان محمود الغزنوي من أكبر المناصرين للأدب والفن والعلم، حيث كان يعيش في عهده العديد من الشعراء والعلماء، ومن أشهرهم: أبو الريحان وابن سينا والبيروني والعسجدي وأبو الفتح البستي والفردوسي والفرخي ومنوجهري والبيهقي والكسائي والدقيقي والعنصري والغضائري.