{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [سورة الضحى: 1-11]
سبب نزول سورة الضحى
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أبطأ جبريل على النبي صل الله عليه وسلم، فجزع جزعًا شديدًا، فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما نرى جزعك قال: فنزلت هذه الآية، عن الأسود بن قيس انه سمع جندبًا يقول: رمى رسول الله صل الله عليه وسلم بحجر في إصبعه فقال: «هل أنت إلا أصبع دميت ، وفي سبيل الله ما لقيت؟» قال: فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم، فقالت له امرأة: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت الآية وقيل أن هذه المرأة هي أم جميل زوجة أبو لهب.
تفسير سورة الضحى
{وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }: أي سكن فأظلم وادلهم، وهو دليل ظاهر على قدرة الله، {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}: أي ما تركك، {وَمَا قَلَى}: أي وما أبغضك، {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}: أي والدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحًا، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته ولما خير عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى الله عز وجل اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية، قال ابن مسعود: اضجع رسول الله صل الله عليه وسلم على حصير، فأثر في جنبه فلما استيقظ جعلت امسح جنبه وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئًا؟ فقال رسول الله: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها»
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}: أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعد له من الكرامة ومن جملته نهر الكوثر الذي حفتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه من مسك أذفر، عن ابن عباس: من رضا محمد صل الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى}: وذلك أن تولاه بعد وفاة أبوه وجده بالحفظ وصانه عن قومه لما عارضوه واعتنى به، {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}: والمراد هنا أنه ضل في شعاب مكة وهو صغير ثم رجع، وقيل أنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام وكان راكبًا ناقة في الليل، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها على الحبشة ثم عدل بالراحلة إلى الطريق
{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}: أي كنت فقيرًا ذا عيال فأغناك الله عمن سواه فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}: أي كما كنت يتيمًا فآواك الله فلا تقهر اليتيم أي لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه، وتلطف به، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}: أي فلا تكن جبارًا ولا متكبرًا ولا فاحشًا ولا فظًا على الضعفاء من عباد الله، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}: عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب»