بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد،،،
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]

بعثة النبي إلى هرقل عظيم الروم

عن بن عباس رضي الله عنه أن أبا سفيان أخبره من فِيهٍ إلى فِيه، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صل الله عليه وسلم، قال: فبينما أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله صل الله عليه وسلم إلى هرقل: يعني عظيم الروم، قال: وكان دحية الكلبي جاء به، فدفعه إلى عظيم بصري، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل: «هل هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفرمن قريش فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بيد يديه.

أسئلة هرقل إلى أبي سفيان

قال هرقل : أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
فقال أبو سفيان: فقلت أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه.
فقال له: قل لهم إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذَبَني فكذبوه.
قال أبو سفيان: وأيم الله! لولا مخافة أن يؤثر عليَّ الكذب لكذبت.
ثم قال لترجمانه: سله كيف حَسَبَهُ فيكم؟
قال أبو سفيان: قلت هو فينا ذو حَسَب.
قال هرقل: فهل كان في آبائه ملك؟
قال أبو سفيان: قلت لا.
قال هرقل: ومن يتبعه؟ أشراف الناس أم ضعفائهم؟
قال أبو سفيان: قلت بل ضعفائهم.
قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟
قال أبو سفيان: لا بل يزيدون.
قال هرقل: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه، سخطة له؟
قال أبو سفيان: قلت لا.
قال هرقل: فهل قاتلتموه؟
قال أبو سفيان: نعم.
قال هرقل: فكيف كان قتالكم إياه؟
قال قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا، يصيب منا ونصيب منه.
قال هرقل: فهل يغدر؟
قال: قلت لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها(قال: فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه).
قال هرقل: فهل قال هذا القول أحد قبله؟
قال: قلت لا.

هرقل يوضح سبب أسئلته لأبي سفيان:
قال هرقل لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قت رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه، أضعفائهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفائهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطةً له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قد قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.
وسألتك: هل يغدر، فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قال هذا القول أحد من قبله، قلت رجل ائتم بقول قيل له قبله.
استئناف الأسئلة:
قال أبو سفيان: ثم  قال: بم يأمركم،؟
قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف.
قال هرقل: إن يكن ما تقول فيه حقًا، فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني اعلم أني أخلص إليه، لأحببت لقائه، ولو كنت عنده لغسلت عن قديمه وليبلغن ملكه ما تحت قدميه.
يقول أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا.

قال أبو سفيان: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه ليخاف ملك بني الأصفر، قال: فما زلت موقنًا بأمر رسول الله صل الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.

ما يستفاد من حديث أنس:
– تمتع رسول الله صل الله عليه وسلم بالخبرة الدقيقة بنفوس من أرسل إليهم من الملوك.
– أن رسول الله أحسن اختيار الألفاظ والمعاني المناسبة لدعوة هرقل إلى الإسلام بقوله “أسلم تسلم”.
–  حسن استقبال هرقل للوفد القادم من عند رسول الله.
– على الرغم من عدم إسلام أبو سفيان في ذلك الوقت إلا أنه قال ما قال في حق رسول الله صدقًا.
– خوف هرقل من إعلان إسلامه على الرغم من تصديقه لنبوة محمد صل الله عليه وسلم.
– حرص هرقل على توضيح السبب من وراء أسئلته لأبو سفيان.