لقد قدمت الحضارة الإسلامية عدد كبير من الإسهامات والنماذج الرائعة التي انعكست على مدى الإثمار الحضاري الذي أحدثته في كافة المجالات الاجتماعية والعلمية وغيرها على مستوى العالم ، حيث أن الحضارة الإسلامية قد تمكنت من أن تتناول ما سبقها من فنون وآداب وعلوم بعد التعديل والتشذيب وإضافة الطابع الإسلامي عليها حتى تكون متناسبة مع طبيعة الإنسان السويّة ؛ وهذا ما جعلها ذو تأثير واضح في جميع المجالات في كافة العصور سواء العصور القديمة أو الوسطى أو الحديثة .
الحضارة الإسلامية
لقد كان الشغل الشاغل للحضارة الإسلامية على مر العصور هي أن تجعل حياة الإنسان أفضل وأسهل ؛ وقد كانت حضارة مُختلفة كليًا عن باقي الحضارات الغربية ؛ حيث أن الحضارات الغربية قد اهتمت بالكامل بالتقدم المادي دون أن تُعير الجانب الأخلاقي والإنساني اهتمامًا ، أما الإسلام فقد جاء بحضارة مميزة وسامية جعلت النفس البشرية وتقويمها هو الهدف الأساسي الذي من شأنه أن يُساعد على التقدم في مختلف المجالات الأخرى تباعًا .
الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى
كما هو معروف ؛ فإن النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى الرقي والكرامة واحترام الذات ، ولقد كان ذلك مفقودًا في العصر الجاهلي وعصور ما قبل الإسلام ، وبمجرد مجيء الإسلام ؛ الذي قد جاء برسالة نور ورحمة ورقي ونقاء تسعى إلى خير البشرية ورقي النفس ، مالت النفس البشرية السوية إلى هذا الدين ، وعلى الرغم من ما تكبدته الدعوة الإسلامية في بدايتها من آلام وإيذاء للمسلمين ؛ إلا أن صدق الدعوة وأحقية الرسالة قد ساعد على البزوغ إلى النور والانتصار والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها .
وقد ساعد عُمق الإيمان واليقين على أن يقوم المسلمين بإقامة حضارة إسلامية راقية ومتحضرة تحترم الإنسان وتقدره وتسعى إلى إصلاحه وتسعى أيضًا إلى نشر العلم والثقافة ونقلها إلى الآخرين ، ولقد أشار الكثير من المؤرخين وعلماء الأمة الإسلامية إلى أن الحضارة الإسلامية قد شهدت أوج مجدها وعظمتها خلال العصور الوسطى .
ويُمكننا وصف الحضارة الإسلامية ولا سيما في العصور الوسطى بأنها أفضل حضارة عرفها الإنسان على الإطلاق ؛ حيث أن هذه الحضارة كانت بالفعل حضارة عالمية سواء من حيث المنبع الحضاري أو المصب ، كما أن المسلمين لم يهملوا تراث الحضارات والأمم التي سبقتهم ، وإنما استفادت بشكل كبير من تناول التراث الخاص ببعض الحضارات ولا سيما الحضارة الفارسية والهندية واليونانية ، وقد نجح المسلمين في ترجمة العلوم والثقافات القادمة من هذه الحضارات ثم قامت بالإضافة والتعديل وإكمال النقص وإقصاء ما لا يتناسب مع طبيعة الدين الإسلامي والنفس البشرية حتى تمكنت من أن تُقدم أفضل الإسهامات العالمية في شتى المجالات بشكل أذهل العالم بأثره .
وقد تميز المسلمين في العصور الوسطى أيضًا بأنهم كانوا أصحاب عقليات تمقُت التقليد وتُعَظِّم التجديد والابتكار ، ومن اثار ذلك التقدم العلمي والمعرفي والثقافي الغير مسبوق الذي شهدته تلك الحضارة ، وقد لمع اسم وذاع صيت العديد من علماء العرب المسلمين في الكثير من المجالات العلمية والتي كانت بمثابة القواعد الأساسية لعدد كبير من العلوم مثل علم الكيمياء وعلم الفيزياء وعلم الأحياء وعلم الجبر والرياضيات والفلسفة وغيرهم .
ولا يمكن إغفال الجانب الفني المعماري أيضًا ؛ حيث اجتهد عدد كبير من المسلمين وبرعوا في الكثير من الفنون ومنها بالطبع فن العمارة وفن الزخرفة ويظهر ذلك جليًا في النقوشات والزخارف الإسلامية على المساجد والقصور ويظهر أيضًا في روعة البناء والمعمار في الكثير من المساجد .