حسن الظن هو شعور داخل القلب ، قد يكون من العبد تجاه الله سبحانه وتعالى او من العبد تجاه عبد آخر ، ومفهوم حسن الظن بالله متشعب جدا ولكن يمكن تلخيصه في رضا العبد بما منحه له الله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه ، أما حسن الظن من العبد تجاه أخيه العبد فهو يعني الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية خلال التعامل مع الآخرين ويؤدي ذلك إلى ترابط قلوبهم وجعلها أكثر ألفة ومحبة .
مفهوم الثبيت والفرق بين التثبت والتبين
التبيين يحدث بعد حدوث التباس او غموض في أمر معين ، مثلا يقال: تَبيّنَ في الأمر والرأي: أي تثبّت وتأنّى فيه، ولم يَعجَل.
أما التثبيت فهو التأكد والتحري من صحة الخبر قبل قبوله أو نشره.
الهدف من التثبيت والتبيين
الهدف منهم هو التريث والتأني والبحث صحة الخبر، وعدم العجلة في بناء أحكام عليه أو نقله قبل التأكد من صحته.
فضل التثبّت والتبيّن وحسن الظن
_ التثبت هو أحد من صفات أصحاب العقل والرزانة، ويختلف عن العجلة فإنها من صفات أصحاب الكيش و الرعونة ، التثبت من الفضائل ،أما النقل بين الناس دون تثبيت فهو رزيلة ، يدل التثبت على سلامة التفكير و رجاحة العقل ، أما العجلة تدل على خلل في التفكير ونقص في العقل .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ ». أخرجه البيهقي وحسنه الألباني.
_ ويقال (التأني من اللّه) وتعني التثبت في الأمور بما يأمر به الله و يحبه ، وذلك يقي العبد من التزلزل والخطأ. (والعجلة من الشيطان) وتعني أن العجلة من وسوسة الشيطان وإغوائه . قال ابن القيم رحمه الله: (إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب وضع الشيء في غير محله، وتجلب الشرور وتمنع الخيور، وهي متولدة بين خلقين مذمومين: التفريط والاستعجال قبل الوقت).
وقد نهى الإسلام عن العجلة وذمها كما نهى عن التباطؤ والكسل وذمهم ، ومدح التثبت في الأمور والتأني، وأمَر بذلك، فقال الله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ﴾ [الحجرات: .في قراءة الجمهور (فتبينوا) من التبين، وهو التأمل والتعرّف والتفحّص، وفي قراءة حمزة والكسائي: (فتَثبَّتوا)، من التثبّت، وهو الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر.
قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى: “من الغلط الفاحش الخَطِر؛ قبول قول الناس بعضِهم في بعض، ثم يبني عليه السامع حُبًّا وبغضًا ومدحًا وذمًا، فكم حصل بهذا الغلط أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع الناس عن الناس أمورًا لا حقائق لها بالكلية، أو لها بعض الحقيقة فنمِّيَت بالكذب والزور، وخصوصًا مَن عُرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى، فالواجب على العاقل التثبت والتحرز وعدم التسرّع، وبهذا يُعرف دين العبد ورزانته وعقله”.
يجب على المسلم التثبت والتبين عن كل ما يروج من أخبار وإشاعات، فالعاقل لا يعتمد على أقوال الناس وما ينقلونه فإن تناقل القول بين الناس ليس دليلًا على صحته..
التثبت والتبين من أخلاق الأنبياء والمرسلين
قدوتنا العظيمة في التثبت والتبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
روى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، طهرني. فقال: « ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه». قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه». قال فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيمَ أطهرك». فقال: مِن الزنى. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبه جنون؟». فأخبر أنه ليسبمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟». فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أزنيت؟». فقال نعم. فأمَرَ به فرُجم…
ولذلك يجب أن نتعلم أنه يجب علينا التثبت والتبين قبل اتخاذ أيّ قرار قد يسبب الندامة نتيجة العجلة والتهور
سليمان عليه السلام وتثبته من خبر الهدهد
قال تعالى في قصة سليمان مع الهدهد: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 20- 27].
سنبحث في الأمر لعلك تكون قد كذبت، أو أخطأت، أو وهمت، لعل في الأمر التباسا وغموضا ﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27]. ويا ليت الناس اتخذوا هذا شعارا لهم، كلما جاءنا رجل يقول: فلان قال، وفلان فعل، وفلان متهم، وفلانة وقع لها كذا وكذا لو أجبنا كل واحد يسعى بين الناس بالقيل والقال بهذه الكلمة، سننظر، سنبحث، سنتأكد ﴿ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
التثبيت وحسن الظن يساعد على قطع الطرق عن أصحاب النميمة والوشايات الكاذبة الذين يسعون بين الناس بالفساد والإفساد، ويساعد على إنهاء النزاعات والخصومات بين الناس ، لأن معظم النزاعات والخصومات التي تحدث بين الناس قد تأسست على شائعات تتناقلها الألسن دون تثبت ولا تبين، مما تسبب في الكراهية والقطيعة والخصومات.
التثبت والتبين من أخلاق الصالحين المتقين
دائما يحرص العبد الصالح على ما يَصلحُ به دينُه وعرضُه وحياته، ويبتعدعن كل ما يؤذيه أو يؤذي غيره. ولا ينخدع بالوشايات والإشاعات ، لا تغريه الكلمات البراقة الخداعة.
أخرج الإمام أحمد عَنْ أَبِى ظَبْيَانَ الْجَنْبيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَذَهَبُوا بِهَا لِيَرْجُمُوهَا، فَلَقِيَهُمْ عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: زَنَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا. فَانْتَزَعَهَا عَلِيٌّ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدَّهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا رَدَّكُمْ؟ قَالُوا: رَدَّنَا عَلِيٌّ. قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ لِشَيْءٍ قَدْ عَلِمَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ فَجَاءَ وَهُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ، فَقَالَ: مَا لَكَ رَدَدْتَ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ»؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ هَذِهِ مُبْتَلاَةُ بَنِي فُلاَنٍ، فَلَعَلَّهُ أَتَاهَا وَهُوَ بِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: لاَ أَدْرِى. قَالَ: وَأَنَا لاَ أَدْرِى. فَلَمْ يَرْجُمْهَا.
ولما دخل رجل على عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وذكر له عن رجل شيئا، قال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: ، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: ، وإن شئت عفونا عنك؟. فقال: العفوَ يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا).
قال أبو إسحاق القيرواني: (قال بعض الحكماء: إياك والعجلة، فإنّ العرب كانت تكنّيها أمّ الندامة؛ لأنّ صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكّر، ويقطع قبل أن يقدّر، ويحمد قبل أن يجرّب، ويذمّ قبل أن يخبر، ولن يصحب هذه الصفة أحد إلّا صحب الندامة، واعتزل السلامة).
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وربما فات قوما بعض أمرهم
من التأني وكان الحزم لو عجلوا