قال تعالى في سورة آل عمران في الآية الثانية وتسعون (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة.
تفسير قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”
تفسير الطبري
فسر الطبري قوله تعالى (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حتى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، حيث قال أبو جعفر في هذه الآية : يعني بذلك جل ثناؤه لن تدركوا، أيها المؤمنون، البرَّ، وهو ” البر ” من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له ويرجونه منه، وذلك تفضّله عليهم بإدخالهم جنته، وصرف عذابه عنهم.
وقد فسر الكثير من أهل العلم ” البر ” أنها الجنة، وقد قيل عن عمرو بن ميمون في قوله تعالى ” لن تنالوا البر ” : الجنة، وقيل أيضا عن السدي في قوله تعالى ” لن تنالوا البر ” : أما البر فالجنة، وقال أبو جعفر في الآية الكريمة : لن تنالوا أيها المؤمنون، جنة ربكم
وقيل عن قتادة في قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” : لن تنالوا برَّ ربكم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوَوْن من أموالكم، وقيل عن الحسن في قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” : من المال.
وفسر قوله تعالى ” وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم “، أي أن مهما أنفقوا من شيء وتصدقوا به من الأموال فإنّ الله تعالى يتصدَّق به المتصدِّق منكم، وينفقه مما يحبّ في سبيل الله، وفسر ” عليم ” أنه ذو العلم الذي يعرف كل شيء، وقد قيل عن قتاده في قوله تعالى ” وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ” : محفوظٌ لكم ذلك، اللهُ به عليمٌ شاكرٌ له.
قيل عن مجاهد في قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أنْ يبتاع له جارية من جَلولاء يوم فُتحت مدائن كسرى في قتال سَعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر بن الخطاب فقال : إن الله يقول ” لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون “، فأعتقها عمر .
وقيل عن أنس بن مالك في قوله تعالى ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وقال أبو طلحة : يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صَدَقة، ولو استطعت أن أجعله سرًّا لم أجعله علانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلها في فقراء أهلك.
وقيل عن أنس بن مالك لما انزلت الآية الكريمة ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون “، فقد قال أبو طلحة : يا رسول الله إنّ الله يسألنا من أموالنا، اشهدْ أني قد جعلت أرضي بأرْيحا لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلها في قرابتك، فجعلها بين حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب.
وقيل عن ميمون بن مهران : أنّ رجلا سأل أبا ذَرّ: أيّ الأعمال أفضل؟، وقال : الصلاة عمادُ الإسلام، والجهاد سَنامُ العمل، والصدقة شيء عَجبٌ، فقال : يا أبا ذر لقد تركتَ شيئًا هو أوَثقُ عملي في نفسي، لا أراك ذكرته، قال : ما هو؟، قال: الصّيام، فقال: قُرْبة، وليس هناك! وتلا هذه الآية : ” لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبُون “.
قيل عن عمرو بن دينار : لما نـزلت هذه الآية ” لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون “، جاء زيدٌ بفرس له يقال له : ” سَبَل ” إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تصدَّق بهذه يا رسول الله، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه أسامة بن زيد بن حارثة، فقال : يا رسول الله، إنما أردت أن أتصدّق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قُبلتْ صَدَقتك.
قال معمر عن أيوب عندما نزلت الآية ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون “، جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبُّها، فقال : يا رسول الله هذه في سبيل الله، فحملَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليها أسامةَ بن زيد، فكأنَّ زيدًا وَجد في نفسه، فلما رأى ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم قال : أما إن الله قد قبلها.