قال تعالى في سورة المائدة في الآية الرابعة والستين (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ)، فيما يلى تفسير الآية الكريمة .
تفسير قول الله ” وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم .. “
– تفسير الطبري : فسر الطبري قوله تعالى “وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ”، حيث قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جرأة اليهود على ربهم، ووصفهم إياه بما ليس من صفته، توبيخًا لهم بذلك، وتعريفًا منه نبيَّه صلى الله عليه وسلم قديمَ جهلهم واغترارهم به، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم
قال ابن عباس قوله تعالى ” وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ” : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقةٌ، ولكنهم يقولون إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيًرا، وقال مجاهد في قوله تعالى ” يد الله مغلولة ” : قالوا: لقد تَجَهَّدنا الله حتى جعل الله يده إلى نحره وكذبوا!
وقيل عن مجاهد ” يد الله مغلولة “: قال اليهود تقوله لقد تجهَّدنا الله يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب، حتى إن يده إلى نحره، وقيل عن قتادة في قوله تعالى ” وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ” : إلى وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ، وقال في قوله تعالى : ” يد الله مغلولة “، حيث قالوا الله بخيل غير جواد! فقال الله :” بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء “.
قال عن السدي في قوله تعالى ” وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ” : أي قالوا إن الله وضع يده على صدره، فلا يبسطها حتى يردّ علينا ملكنا، قال عكرمة في قوله تعالى ” وقالت اليهود يد الله مغلولة ” أنها نـزلت في فنْحاص اليهوديّ.
قيل عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى ” يد الله مغلولة ” : يقولون: إنه بخيل ليس بجواد، فقال الله ” غلت أيديهم “: أمسكت أيديهم عن النفقة والخير، وقال أبو جعفر: واختلف أهل الجدل في تأويل قوله ” بل يداه مبسوطتان “، فقال بعضهم : عنى بذلك : نِعمتاه، وقال: ذلك بمعنى ” يد الله على خلقه “، وذلك نعمه عليهم، وقال: إن العرب تقول ” لك عندي يد “، يعنون بذلك نعمةٌ.
وقيل في تفسير قوله تعالى (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا)، حيث قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هذا الذي أطلعناك عليه من خفيِّ أمور هؤلاء اليهود، مما لا يعلمه إلا علماؤهم وأحبارهم، احتجاجًا عليهم لصحة نبوتك، وقطعًا لعذر قائلٍ منهم أن يقول : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ
قال أبو جعفر في قوله تعالى ” الطغيان ” : الغلو في إنكار ما قد علموا صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتمادي في ذلك، وقوله ” وكفرًا ” : ويزيدهم مع غلوِّهم في إنكار ذلك، جحودَهم عظمة الله ووصفهم إياه بغير صفته، بأن ينسبوه إلى البخل، ويقولوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وإنما أعلم تعالى ذكره نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنهم أهل عتوّ وتمرُّدٍ على ربهم، وأنهم لا يذعنون لحقّ وإن علموا صحته، ولكنهم يعاندونه، يسلِّي بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الموجِدة بهم في ذهابهم عن الله، وتكذيبهم إياه.
وقيل عن قتادة في قوله تعالى ” وليزيدن كثيرًا منهم ما أنـزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا ” : حملهم حسدُ محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم، وقيل عن مجاهد في قوله تعالى ” وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ” : اليهود والنصارى.