{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } [سورة الإسراء: 60]
سبب نزول الآية:
يقل الإمام ابن كثير: أخرج أبو يعلى عن أم هانئ: أنه صل اللّه عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدث نفراً من قريش يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة: هذا ساحر، فأنزل اللّه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن ونحوه. وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم أصبح يوماً مهموماً، فقيل له: ما لك يا رسول اللّه؟ لا تهتم فإن رؤياك فتنة لهم فأنزل اللّه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}.
عن ابن عباس قال: لما ذكر اللّه هذا الزقوم، خوف به هذا الحي من قريش، قال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي خوفكم به محمد؟ قالوا: لا. قال: الثريد بالزبد، أما لئن أمكننا منها لنزقمنها زقماً، فأنزل اللّه تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ[سورة الإسراء: 60]، وأنزل: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} [سورة الدخان: 43-44]، لما أخبرهم رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم فكذبوا بذلك، حتى قال أبو جهل عليه لعائن اللّه: هاتوا لنا تمراً وزبداً، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا [روي ذلك عن ابن عباس ومسروق والحسن البصري وغير واحد]
تفسير الآية:
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}: يقول الله تعالى لرسوله صل اللّه عليه وسلم محرضاً له على إبلاغ رسالته، ومخبراً له بأنه قد عصمه من الناس فإنه القادر عليهم وهم في قبضته وتحت قهره وغلبته، قال مجاهد والحسن وقتادة في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}: أي عصمك منهم. قال البخاري، عن ابن عباس {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قال: هي رؤيا عين أريها رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم ليلة أسري به، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ}: شجرة الزقوم [أخرجه البخاري والإمام أحمد]
{إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}: أي اختباراً وامتحاناً، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم [أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث] وكل من قال إنها ليلة الإسراء فسره كذلك بشجرة الزقوم، واختار ابن جرير أن المراد بذلك ليلة الإسراء، وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، قال لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، أي في الرؤيا والشجرة، وقوله {وَنُخَوِّفُهُمْ}: أي الكفار، بالوعيد والعذاب والنكال، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا }: أي تمادياً فيما هم فيه من الكفر والضلال، وذلك من خذلان اللّه لهم.