القرآن الكريم هو كلام الله تبارك وتعالى وبلاغة قوله، واليوم سنبحر في بحر كلمات القرآن الكريم لنتعرف على ذلك الاعجاز الرائع، فهناك عدد كبير من الأساليب التي من الممكن ان نتحدث عنها اليوم، ولكن سنخص بالذكر أسلوب النفي الموجود في القرآن الكريم وخاصة في سورة البقرة.
كلمات القرآن الكريم
لا يوجد أي كلمات من الممكن ان نكتبها تصف او تنقل الصورة النقية لكلمات القرآن الكريم، فهو القول الفصل لكلام الله تبارك وتعالى، وليس هناك ابلغ من الله جل وعلى، كما ان القرآن الكريم هو اصدق الحديث قولن ويقال انه قد اوفى فاتحه وأكمل خاتمه، ويوجد في القرآن الكريم الكثير من المواضع النحوية الهامة التي تحدث عنها عدد كبير من العلماء، من بينهم النفي.
أسلوب النفي
قال الزركشي في كتابه البرهان، ان النفي هو عبارة عن شطر الكلام كله، لان الكلام اما ان يكون اثبات او يكون نفي، فلا يوجد أي متكلم الا أراد ان يثبت كلامه اما عن طريق الاثبات او حتى عن طريق النفي، كما انه في النفي فانه يحتاج الى جملة من الأدوات المختلفة، تلك الأدوات بالرغم من انها تشترك في النفي، الا انه يوجد بينها فرق في بعض المزايا والخصائص، كما ان البلاغة في النفي هي عبارة عن استخدام تلك الأدوات ولكن مع مراعاة الفروق الدقيقة التي توجد بينهم.
دلائل الاعجاز
كتب الجرجاني في كتابه عن الاعجاز، حيث قال بان الاعجاز ليس لها مرجع في العلم باللغة، بل ان العلم هو عبارة عن المزايا والخصائص، وعند الوقوف على تلك المزايا والخصائص يجب على المتكلم ان يقوم باختيار الأدوات المناسبة لذلك المقام، وذلك ما قام بتوضيحه الجرجاني عندما قال، واعلم أنا لم نوجب المزية من أجل العلم بأنفس الفروق والوجوه فنستند إلى اللغة، ولكنَّا أوجبناها للعلم بمواضعها، وما ينبغي أن يصنع فيها. فليس الفصل للعلم بأنَّ الواو للجمع، والفاء للتعقيب بغير تراخٍ، وثم له بشرط التراخي. وإنْ لكذا، وإذا لكذا. ولكن لأن يتأتى لك إذا نظمت شعراً، وألفت رسالة أن تحسن التَّخَيُر، وأن تعرف لكل من ذلك موضعه.
النفي في القرآن الكريم
يوجد عدد كبير من الأمثلة على النفي في القرآن الكريم لكن سنتحدث عن بعض المواضع في بعض السور فقط ومنها.
قوله تبارك وتعالى في سورة الحجرات، ” قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم”.
في تلك الآية نجد ان هناك دلالتين على النفي، هي كلمة لم وكلمة لما، وكلتاهما لها نفس المعنى وأيضا نفس الوظيفة، وغالبا ما تزول بزوال النفي، فعد سؤال شخص مثلا هل جاء محمد، ويرد عليه لما يأت محمد، فذلك جواب بالنفي على انه قد حضر.
المثال الثاني هنا من سورة النمل في قوله تبارك وتعالى،” لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين “.
وقوله تعالى في سورة الاحقاف،” والذي قال لوالديه أفٍ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين “
لو اننا نظرنا وتأملنا في نهاية الآيتين لوجدنا بان الآية الأولى قد ختمت بقول الله تبارك وتعالى، ما هذا الا اساطير الاولية، ام في الآية الثانية فقد ختمت بقول الله تبارك وتعالى، ان هذا الا اساطير الاولين، ولكن ما الفرق بين موضعي النفي هنا.
فقد ذهب اهل اللغة هنا الى ان (ان) هي واحدة من اقوى أدوات النفي على الاطلاق، خاصة وإذا كانت مقترنه باداه(الا)، وقد قالوا أيضا بان أداة النفي(ما)، اقل منها في قو النفي، ولو اننا قمنا بتتبع المواضع التي جاءت في القرآن الكريم لوجدنا قول الله تبارك وتعالى، (إن هذا إلا أساطير الأولين)، ونجد ان كل المواضع التي تذكر فيها الكفار وانكارهم لآيات الله تبارك وتعالى ومعجزاته، والكفر أيضا بالبعث وبالنشور، او حتى الكفر بما جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
اما عن قول الله تبارك وتعالى، (ما هذا الا اساطير الاولين)، فأنها لم ترد الا في موضع واحد فقط، وهي في قصة الولد الذي قد أنكر البعث والنشور.
النفي في سورة البقرة
جاء النفي في سورة البقرة أيضا في عدة مواضع واليكم ابرزها.
قال الله تعالى، (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنت صادقين * ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين).
جاءت (لن) هنا كأداة للقطع والنفي، فتمني الموت على ذلك.
قوله تبارك وتعالى أيضا في سورة البقرة، (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير).
وقوله تعالى، (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين).