(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء -70)، لم يكرم الله أحد من مخلوقاته كما كرم الإنسان، وخلق له كل ما في الكون ليكون له عون في الحياة، وكرمه بالعقل والذي يميز به وجعله يقيم العديد من الحضارات، وكان أعظم تكريم للإنسان من رب الكون هو جعله خليفة لله عز وجل في الأرض، ورغم المعاصي التي يفعلها البشر إلا أن هذه القيمة هي من أعظم القيم التي كرمنا بها.

الغاية من خلق الإنسان

أولاً يجب القول أن لله في خلقه شئون، ولكن لا ضرر من التعرف على سبب خلق الله للإنسان مما ورد لنا عن الله ورسوله، في البداية يمكننا القول أن السبب من خلق الله للإنسان هو عبادته، فقد قال تعالي في سورة الذاريات آية 56 (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، ولكي يعبد الإنسان الله لابد أن يعرفه أولاً ويؤمن به ويعرف القدر الحقيقي لله سبحانه وتعالي رب هذا الكون الكبير وخالقه، فإذا لم يعرف الإنسان الله وكفر به فلن يعبده وإذا عرفه ولكن بطريقة خاطئة أو لم يعرف قدر الله العظيم فلن يعبده بالطريقة الملائمة.

هذا ليس صعب فإذا تجول المرء حوله حتى يتعرف على طريقة معيشته وأين يعيش وكيف جاء إلى الحياة وكيف يموت، تنتهي به هذه الأسئلة إلى أن الله سبحانه وتعالي موجود، لابد للإنسان أن يستكشف مواطن الحياة على الأرض وكيفية خلقها والإتقان الشديد بها، مع التأمل في خلق الكون الواسع من حوله والقمر والشمس والكواكب والمجرات كل هذا لابد أن يكون له خالق وأي خالق هذا الذي استطاع أن يخلق كل هذا الكون البديع.

الكرة الأرضية بكل ما عليها هي قطرة من فيض في ملكوت الله، كل هذه الأشياء سوف تُصل الإنسان إلى حقيقة واحدة وهي أن لهذا الكون خالق عظيم، ووراء خلق الإنسان وتكريم الله له بشكل خاص غاية عظيمة أيضاً، لأن من يخلق كل هذا الإبداع من حولنا وكل هذه العظمة لا يمكن أن يعبث ويخلق أي شيء هباءً.

مظاهر تكريم الله للإنسان

تتعدد وتتنوع مظاهر تكريم الله للانسان ، وطالما تحدث أهل العلم عن تكريم الله للإنسان ومواطن هذا التكريم، وفي ما يلي بعض مظاهر تكريم الله للإنسان:

-بداية تكريم الله للإنسان هي في بداية خلقه من العدم، ليعطيه أهم وأثقل وظيفة على كوكب الأرض وهي إعمارها، وخلافة الله عز وجل في الأرض، قال تعالي في سورة البقرة آية 30 (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

-من بعدها يظهر التكريم الإلهي للإنسان مرة أخري بعد خلقه لأول البشر وهو سيدنا آدم وأمر الملائكة أن يسجدوا له، قال تعالي في سورة الإسراء (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذِي كَرَّمْتَ على لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)).

-لم يكن خلق الله للإنسان بأي شكل بل كان خلق الله الإنسان في أحسن صورة وأحسن خلق، فلا يوجد من المخلوقات على وجه الأرض ما هو أجمل منه، قال تعالى في سورة التين آية 4 (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).

-كرم الله الإنسان، بأكثر الأشياء فخراً لنا، فالله سبحانه وتعالى نفخ فينا من روحه عز وجل وما أكثر من أن يكرمنا الله بأن تكون أرواحنا جزء من روح رب هذا الكون، فلم ينال أحد من الخلق حتى الملائكة الكرام هذا الفضل إلا الإنسان، قال تعالى في كتابه الكريم في سورة ص آية 71 -72 (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).

-لقد كرم الله بني آدم بأن سخر لهم مخلوقات الأرض جميعاً لخدمتهم.

-رزق الله الإنسان وكرمه بنعمة العقل، حتى يفكر ويعمل ويعمر الأرض ويبني الحضارات ويصبح من أرقى المخلوقات على وجه الأرض.