القراَن الكريم هو كتاب الله المقدس الذي نزله على محمد صلِّ الله عليه وسلم، وفيه هدى للناس ورحمة. وقد نزل تدريجيًا ومر مراحل جمع القراَن الكريم بثلاثة حقب رئيسية، اثنين منها كانتا بعد وفاته صلِّ الله عليه وسلم.
معنى جمع القرآن الكريم
قد يكون يستعمل جمع القرآن الكريم معان كثيرة. الأول هو الجمع بمعنى الحفظ أي جمع القرآن في الصدر. أما المعنى الثاني، فهو التدوين، أي تدوين الآيات والسور كلها في صحف دون أن تجمع في كتاب واحد كما هي عليه الآن. ويشير المعنى الثالث، إلى الجمع بهدف ترتيب الصحف ووضعها في كتاب واحد مجمع فيه كل أجزاء القرآن وهو ما دلت عليه العديد من النصوص التي نقلت عن أهل السنة.
حيث جاء في صحيح البخاري أن جمع القراَن في عهده عليه الصلاة والسلام كان على يد أربعة فعن قتادة قال : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلِّ الله عليه وآله ؟ قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
وعن الشعبي قال : جمع القران على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله ستة : أبيّ ، وزيد ، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة ، قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء أصحاب محمد غير عثمان. وجاء في روايات أخرى أن من جمعوا القراَن في عهد الرسول صلِّ الله عليه وسلم كانوا أربعة وعشرين اسماً في مجموع الروايات.
جمع القراَن الكريم وشبهة التحريف
اشتبه البعض من الشيعة و الأحزاب المتفرقة في تعرض القرآن الكريم إلى التحريف خلال مراحل جمعه. ولكن جميع الأدلة في آيات القرآن الكريم تنفي صحة ذلك، فالقرآن الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو نفسه القراَن الذي تم جمعه في جميع المراحل ووصل في شكله الحالي إلى أيدي المسلمين والناس كافة من دون أي زيادة أو نقصان فيه. لم يختلف في أي عصر من العصور لا في شكله ولا مضمونه وقد ورد متواتر حفظًا وكتابة، وهو كتاب واحد وقراَن واحد ، يجتمع المسلمين كافة على قراءة آياته وسوره وكلماته وحركاته.
وقد حفظ الله تعالى القراَن ونزهه من التحريف، حيث قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وهو ما يدل على أنه سبحانه وتعالى حفظ هيئة القراَن التي نزل عليها، وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} أنعام: 115. و قال البيضاوي رحمة الله عليه في تفسير هذه الآية :
“لا أحد يبدل شيئاً منها بما هو أصدق وأعدل، أولا أحد يقدر أن يحرفها شائعاً ذائعاً كما فعل بالتوراة… فيكون ضماناً لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ” وقد حفظ كتاب الله الكريم من خلال النقل المتواتر، و نقل الكافة المتكاثرة وذلك حفظا وكتابة وتناقل بهذه الصورة عبر الأجيال.
ما هي مراحل جمع القراَن الكريم
مراجل جمع القراَن الكريم ثلاثة وهي :
جمع القرآن في العهد النبوي
الجمع في عهد الرسول صلِّ الله عليه وسلم وجاء الجمع في هذه المرحلة بطريقتين، أولها حفظه حيث كان الكثير من صحابة النبي يجمعون القراَن في صدورهم. وأما الثانية، فكانت بكتابة القراَن حيث كان الصحابة يكتبونه في صحف منفصلة بأمر من الرسول صلوات الله عليه على اللخاف أي الحجارة الرقيقة، وعلى الأوراق والجلد والعسب. وبعده يوضع في بيت النبي. حتى أن عهد النبوة كان قد انقضى دون جمعه في مصاحف.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
جمع القراَن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. بعد استشهاد الكثير من الصحابة من حفظة كتاب الله في معركة اليمامة، أمر أبى بكر الصديق – رضي الله عنه – الصحابي زيد بن ثابت بتجميع القراَن الكريم في كتاب واحد، فأخذ في جمع ما كتب منه على العسب والحجارة وغيرها ووضعت في مصحف واحد احتفظ به أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر.
جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
جمع القراَن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. والذي كان راجعا إلى اتساع مساحة الدولة الإسلامية وانتشار الدين الإسلامي المجيد بين الناس الذين أصبحوا يسعون إليه أفواجًا. حتى تبين اختلاف في كتابة القراَن ونطقه. وناشد ناس من الأمصار وهي البلاد التي فتحها المسلمين وبنوها في ظل المد وتوسع الإسلام عثمان لجمع الكلمة .
وتدارك ما يحصل من اختلاف قبل أن يتفاقم الأمر، وعند قدوم الصحابي حذيفة بن اليمان من غزوة أرمينية تحدث مع عثمان في الأمر، قام بجمع الأنصار والمهاجرين وعرض عليهم جمع القراَن الكريم في المصاحف على حرف واحد بدل سبعة حروف، حتى يزول الاختلاف، فرأوا في رأيه الصواب ووافقوه عليه واعتبروه القرار الصائب لحفظ القراَن. فأرسل حينها إلى حفصة بنت عمر لتأتي بالصحف ونسخها الرهط القرشيين في المصاحف وبعثت إلى الأمصار بعدها، حيث أمروا بحرق ما سواها.