القرآن الكريم هو القول العربي الفصيح الذي أعجز العرب ببلاغته وفصاحته رغم أنهم أهل اللغة، ويحتوي القرآن الكريم على تشريع دقيق صالح لكل مكان وزمان، وتحدى محمد صلّ الله عليه وسلم العرب بأن يأتوا بمثله ولكنهم بالطبع لم يستطيعوا، فقال الله سبحانه وتعالى ” قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا)، فأنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام، ثم نُقل بالتواتر.
مراحل جمع القرآن الكريم
يبدأ القرآن الكريم بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس، ومر القرآن الكريم بمراحل عديدة لجمعه وتلك المراحل هي :
جمع القرآن في عهد الرسول صلّ الله عليه وسلم
كانت تلك المرحلة في عهد الرسول صلّ الله عليه وسلم، وفيها كان يتنزل القرآن الكريم على الرسول مُفرقا ومُنجمًأ، ويراجعه جبريل عليه السلام، في كل عام في شهر رمضان، وكان رسول الله صلّ الله عليه وسلم يتلقى القرآن الكريم من جبريل عليه السلام، ويُعيد قراءته قبل أن ينتهي من تلقينه، وذلك حرصًا من الرسول صلّ الله عليه وسلم على حفظ القرآن الكريم وعدم تفلته.
وبقي الرسول على هذا الحال إلى أن نزل قول الله سبحانه وتعالى { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، فبعد نزول تلك الآية أصبح الرسول صلّ الله عليه وسلم يُنصت لجبريل عليه السلام إلى أن ينتهي من تلقينه القرآن الكريم، ثم يدعو كتّاب الوحي، ومنهم ” علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، زيد بن ثابت، أبي بن كعب”، لكي يكتبوا ما نزل من الوحي، وكان الصحابة رضي الله عنهم يكتبون القرآن الكريم على اللخاف، وهي عبارة عن صفائح من حجارة، أو على العسب وهو جريد النخل، وكانوا يكتبونه أيضًا على الرقاع المصنوعة من الجلد والكرانيف وهي أصول السعف، أو الأقتاب والتي هي عبارة عن خشب يُوضع على ظهر البعير والأكتاف.
فكان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على حفظ القرآن الكريم في صدورهم خلال تلك الفترة، ولما توفي رسول الله صلّ الله عليه وسلم كان القرآن الكريم قد جُمع في صدور الصحابة رضي الله عنهم ومنهم الخلفاء الراشدين، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وسعيد بن عبيد، وسالم بن معقل، وكان القرآن الكريم مكتوب كله، ولكنه لم يكن مجمعًا في مصحف واحد، وكانت كل سورة أو مجموعة من السور مكتوبة في أحجار متناسقة ومحفوظة في بيوت كُتاب الوحي وبيوت أمهات المؤمنين.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
كانت تلك المرحلة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبدأت بمشورة من عمر بن الخطاب، بعد أن خشي من ذهاب بعض سور القرآن، بسبب قتل الكثير من القراء في حروب الردّة، وأحداث بئر معونة، فقتل سبعون من قرّاء القرآن، فاقترح على أبو بكر الصديق رضي الله عنه جمع القرآن الكريم، وقال له (إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن)، وفي البداية لم يتقبل أبو بكر الصديق الأمر، وقال له (كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).
استمر عمر بن الخطاب في إقناع الخليفة بالمصلحة المترتبة على جمع القرآن إلى أن نجح في إقناعه بذلك، وشرح الله صدره للفكرة، وبعدها وكّل زيد بن ثابت رضي الله عنه بالمهمة فتحرّج زيد من الأمر، ولكن أبا بكر وعمر وضّحا له المصلحة والهدف من جمع القرآن الكريم، فشرح الله صدره للأمر.
كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي ممّا كلفني من جمع القرآن)، وتم بالفعل تجميع القرآن الكريم من كُتاب الوحي، وممّا كتبه الصحابة رضي الله عنهم، وكانت لجنة جمع القرآن لا تأخذ المكتوب من القرآن إلا بحضور شاهدين يشهدان على كتابة الآيات أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا تم تجميع القرآن على قطع متناسقة متساوية في الحجم، وتم ترتيب الآيات والسور بطريقة توثيقية لم يُرى لها مثيل، ووضع المصحف في بيت أبي بكر الصديق إلى أن توفي، ثم في بيت عمر رضي الله عنه إلى أن توفي ثم في بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها.
جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان
كانت تلك المرحلة في عهد عثمان بن عفان، وكان الجمع الذي حدث في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع للقرآن على حرف واحد، ويرجع هذا إلى وجود خلافات حدثت بين المسلمين في مختلف الأمصار بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل الناس من مختلف المناطق في الإسلام، وكان هناك اختلاف في قراءة بعض المناطق على الآخرى، لإن القرآن نزل على سبعة أحرف، فيجوز قراءته بأي حرف منها.
لم يكن الناس يعلمون بأن القرآن نزل على سبعة أحرف، فأخذ يشك كل فريق منهم بقراءة الآخر، ويظن أنها قراءة خاطئة، وعندما سمع حذيفة بن اليمان ما دار بين الناس من الكلام عن القرآن أسرع إلى خليفة المسلمين عثمان بن عفان وقال له ” أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى”.
وبعدها استشار عثمان بن عفان الصحابة رضي الله عنهم بالأمر ووافقوا على الجمع، وأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، بنسخ سبع نسخ من المصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأرسلها إلى حواضر المسلمين في مكة المكرمة، والشام، والبصرة واليمن والكوفة والبحرين، ثم بعث قُراء ليعلموا الناس على الحرف الذي جُمع عليه القرآن الكريم، وهو حرف قريش، وبعدها أمر بحرق ما سواها من المصاحف.