إنتشر الإسلام بالسلم لا بحد السيف كما إدعى البعض، ومن أبرز الأمثلة التي تدل على ذلك هو دخول الإسلام إلى السودان أو بلاد النوبة كما كانت تسمى قديما، وفي هذا المقال نعرض تاريخ دخول الإسلام إلى بلاد النوبة.

دخول الإسلام السودان
إختلفت الروايات حول دخول الإسلام لبلاد “النوبة “ السودان حالياً، ولكن هناك رأي عام إتفق عليه الكثير من المؤرخين، وهذا الرأي هو الرأي الذي سنقوم بإستعراضه في السطور التالية.

كانت بلاد النوبة تنقسم إلى مملكتين المملكة الشمالية وهى مملكة المقرة والمملكة الجنوبية هى مملكة علوة، وبالرغم من تعدد الطوائف والأديان داخل المملكتين إلا أن المسيحية كانت الدين الرسمي لهما، وعندما فتح المسلمون مصر في العام الواحد والثلاثون للهجرة إتخذت مملكة المقرة موقفاً عدائياً تجاه المسلمون، فإتحدت مع البيزنطيين ضد المسلمين وأخذت تغير على الجهة الجنوبية لمصر، وحيث أنها المفتاح الجنوبي لمصر فقد شكلت خطراً داهماً على المسلمين في ذلك الوقت، مما دفع الخليفة “عمر بن الخطاب” رحمه الله إلى التفكير في شأن الحدود الجنوبية لمصر فكان أن كلف والي مصر في ذلك الوقت عمرو بن العاص بحل هذه المشكلة وتأمين حدود مصر الجنوبية.

توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتولى عثمان بن عفان الخلافة وبعد ذلك تولى الصحابي الجليل عبدالله بن ابي السرح ولاية مصر، وبما ان النوبة تمثل تهديداً على الدين الجديد في مصر فقد لفتت أنظار الوالي الجديد وبدأ في التفكير في كيفية درء الخطر النوبي عن مصر وقد كان ، فأرسل عدداً من السرايا وفي إحدى الحملات التي خرج على رأسها حاصر العاصمة دنقلة حصاراً شديداً أدى إلى إستسلام أهل النوبة فخرج حاكمها قليدروس يطلب الصلح مع المسلمين، فكانت معاهدة البقط الشهيرة.

ماهى معاهدة البقط ؟
هى المعاهدة التي تم عقدها بين المسلمين بقيادة عبدالله بن ابي السرح وحاكم النوبة قليدروس وتعد من أطول المعاهدات في التاريخ حيث إستمرت قرابة 700 عاما، وقد أدت هذه المعاهدة إلى عقد هدنة بين والي مصر عبدالله بن ابي السرح وحاكم النوبة، وفيما يلي أهم بنود هذه المعاهدة.

بنود معاهدة البقط
1-تعهد عبدالله بن ابي السرح لأهل النوبة بالأمن والأمان، وألا يشن المسلمون عليهم حروباً مادامت هذه المعاهدة قائمة.

2-أن يقوم أهل النوبة برد المسلمين المارقين من أهل مصر الذين يدخلون أرض النوبة.

3-أن يتعهد أهل النوبة بالحفاظ على مسجد يتم بناؤه للمسلمين من أهل مصر الذين يمرون بالنوبة في فناء دنقلة.

4-أن يؤدي أهل النوبة لحكام مصر 360 عبداً من أوسط  الرقيق وقد كانت النوبة معروفة برقيقها في ذلك الوقت، وقد ذكر بعض المؤرخين أن النوبة كانت تؤدي غلال مثل العدس والقمح  بدلاً من الرقيق.

النتائج المترتبة على معاهدة البقط
لم تعد النوبة تشكل خطراً على مصر أو المسلمين بها، حيث إستمرت هذه المعاهدة لفترة طويلة بين الجانبين، أما بالنسبة للجانب المصري فقد أكدت هذه المعاهدة على الدهاء السياسي الذي تمتع به عبدالله بن ابي السرح حينما أكد على رد الخارجين من مصر وذلك لمنع ظهور كتل وتحالفات ضد الإسلام في مصر عند هذه النقطة الحرجة من الحدود المصرية.

وعلى صعيد آخر فقد ساهمت بنود هذه المعاهدة في إنتشار الإسلام في بلاد النوبة دون إراقة للدماء، إذ ساعد المسجد الذي تم بناؤه بها على نشر الدين الإسلامي بالسلم وبالحكمة والموعظة الحسنة، مما يكذب جميع الإداعاءات التي تقول بأن الإسلام إنتشر بحد السيف، وإن أكبر دليل على ذلك هو دخول العديد من أهل النوبة مع مرور الوقت في الدين الإسلامي لما لمسوه من نقاء وأمان وسلام في الدين الجديد.