صفة الحكم بغير ما أنزل الله هي من أخطر المسائل التي نتعرض لها في عصرنا الحديث، وذلك لتعلق المسلمين بأنظمة وأحوال غير المسلمين، مما جعلهم يقدمون أحكامهم على حكم الله ورسوله، وهو لا يعلم ان حكم الله ورسوله ماضٍ إلى يوم القيامة، وأن الله لا يشرع لعباده إلا ما فيه منفعة لهم في الدنيا والآخرة، وقد أستفاض في هذا الحديث فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبين لنا أحوال العباد في صفة الحكم بغير ما أنزل الله.
صفة الحكم بغير ما أنزل الله :
يحدثنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه فقه العبادات عن صفة الحكم بغير ما انزل الله فيقول : الحكم بغير ما انزل الله ينقسم إلى قسمين هما :
– القسم الأول : أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركًا في قوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى : 21].
– القسم الثاني : أن تبقى أحكام الله عز وجل على ما هي عليه، وتكون السلطة لها، ويكون الحكم منوطًا بها، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام، يحكم بغير ما أنزل الله، وهذا له ثلاث حالات :
1. الحالة الأولى: أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقدًا أن ذلك أفضل من حكم الله وانفع لعباد الله، أو معتقدًا أنه مماثل لحكم الله عز وجل أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله فهذا كفر يخرج من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل، ولم يجعل الله حكمًا بين عباده.
2. الحالة الثانية : أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده، لكنه خرج عنه، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه، لما بينه وبينه عداوة، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدالًا به، ولا اعتقادًا بأنه أفضل من حكم الله أو مساوٍ له، أو أنه يجوز الحكم به، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله، ففي هذه الحالة، لا يصبح كافرًا بل معتدٍ وجائر.
3. الحالة الثالثة : أن يحكم بغير ما انزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله، وأنه بحكمه هذا عاصٍ لله عز وجل، لكنه حكم لهوى في نفسه لمصلحة تعود له أو للمحكوم له، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل.
الدليل من الكتاب على أحوال العباد في الحكم بغير ما أنزل الله :
قال الله تعالى فيهم { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، وهذا دليل الحالة الأولى، وقال الله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:45]، وهذا دليل الحالة الثانية، وقال الله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:47]، وهذا دليل الحالة الثالثة.