وقف الأنبياء صلوات الله عليهم بين يدي الله عزوجل ويسألونه حاجاتهم فاستجاب الله تعالى دعاءهم وقضى الله تعالى لكل منهم حاجته عاجلًا ليس أجلًا وأثني عليهم لحسن شمائلهم صلوات الله وسلامه عليهم ومن أعظمها المبادرة في فعل الخيرات وعليه فإن فعل الخير من أقرب طرق إجابة الدعاء وهو صورة من صور الأخذ بالأسباب وبالجمع بين الأخذ بالأسباب والدعاء يتحقق التوكل ومن يتوكل على الله فهو حسبه في هذا المنهج الرباني الذي استعرضته سورة الأنبياء دعوة إلى الاقتداء بأنبياء الله عزوجل وبإمامهم محمد صلّ الله عليه وسلم في عبادتهم وتبتلهم لله تعالى وفي غيرتهم على دين الله عزوجل وعملهم الدائم والدءوب على نشر الدعوة وتبليغها .
ومن نعم الله تعالى على أمة محمد صلّ الله عليها وسلم أن جعلها وارثة لعلوم وتجارب ومعارف الأنبياء السابقين رضوان الله عليهم في العقيدة والدعوة والعبادة والابتلاء والصبر عليه وغير ذلك مما جعلنا أمة قوية صابرة على البلاء متجددة الأمل وعظيمة الرجاء ، وقد قدمت سورة الأنبياء عبر آياتها البينة أروع صور المناجاة في الدعاء .
التعريف بصورة الأنبياء
سورة الأنبياء هي الواحدة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف وآياتها اثنتا عشرة ومائة موجودة في الجزء السابع عشر من القرآن الكريم ، مكية النزول سميت بصورة الأنبياء لأن الله جل جلاله ذكر فيها جملة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهم بالترتيب ، إبراهيم عليه السلام ، إسحاق عليه السلام ، يعقوب عليه السلام ، لوط عليه السلام ، نوح عليه السلام ، داود عليه السلام ، سليمان عليه السلام ، أيوب عليه السلام ، إسماعيل عليه السلام ، ذو الكفل عليه السلام ، ذون النون عليه السلام ، زكريا عليه السلام ، عيسى عليه السلام ، سيدنا محمد في خاتمة السورة عليه الصلاة والسلام .
فضل سورة الأنبياء
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : بني إسرائيل (الإسراء ) ، والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي معنى العتاق الأول أنهم من السورة المكية التي نزلت قبل البعثة النبوية وأنهم من أول سور القرآن الكريم ومن تلادي أي من أول ما تعلمه رضي الله عنه فهن من مصابيح الهداية التي أضاءت قلب المؤمنين .
أدعية الأنبياء صلوات الله عليهم
ليس في سورة الأنبياء دعاء صريح على هلاك الكفار وإنما فيها تأكيدًا على أن محمد صلّ الله عليه وسلم أرسله الله تعالى رحمة للعالمين كما أن الدعاء في تلك السورة له خصوصية إذ أن لكل نبي مطلب ولما أنهم هم أعرف الخلق بالله تعالى فقد اشتملت الآيات على جوامع الدعاء ولطائف المناجاة والأنس بالله العلي العظيم وفي ذلك تربية إيمانية للمؤمن لينهل من تلك الأدعية النبوية الشريفة كل ما يناسب حاجته :
دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}
وضعوا إبراهيم عليه السلام في النار فاستقبله جبريل عليه السلام فقال ألك حاجة فقال له أما إليك فلا فقال جبريل فسأل ربك فقال “حسبي سؤالي هو علمه بحالي “
دعاء نبي الله أيوب عليه السلام
{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ}
من خصائص هذا الدعاء الشكوى يقول العلماء أنه لم يقل ذلك جزعًا فالدعاء لا ينافي الرضا بالقضاء .
دعاء نبي الله ذي النون عليه السلام
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}
من خصائص ذلك الدعاء التوحيد لا إله إلا أنت ومعناها لا معبود بحق إلا الله وهي كلمة التوحيد التي تشرح الصدور وتزيل الكروب .، والتنزيه سبحانك وهي تنزهيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاه وكماله وقدره سبحانه وقد اشتمل الدعاء على ألفاظ وضاءة ذات دلالات إيمانية بليغة غرسها التوحيد وقوامها التنزيه ، أخبرنا رسول الله صلّ الله عليه وسلم إنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له .
دعاء نبي الله زكريا عليه السلام
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}
من خصائص الدعاء أنه اشتمل على الانكسار والضعف والتبري من قوة النفس ومن خصائصه أيضًا الحرص على الدين لأنه الغاية العظمى من طلب الولد ليرث النبوة والكتاب لاستمرار دعوة الله في الأرض ، ومن خصائصه أيضًا عظيم الثناء على الله تعالى حين قال وأنت خير الوارثين .