القرآن الكريم هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به فاز  ومن دعا إليه هُدي إلى الصراط المستقيم وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه العزيز فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر الآية 9 ، وسورة الأنبياء من السور المكية تكلمت عن إثبات وجود الله تعالى ، ومعرفة الخلائق بقدرته سبحانه وتعالى ، وتحدثت عن صفات الملائكة عليهم السلام ، وتحدثت عن كيفية التفكر في خلق السموات والأرض ، ثم تحدثت عن بيان معجزات سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وتحدثت عن بيان تأثير العذاب وثم تكلمت عن تسخير الجن والشياطين لسيدنا سليمان عليه السلام ، ووضحت مناجاة سيدنا أيوب عليه السلام لربه عزوجل .

وبينت دعاء سيدنا يونس عليه السلام ، وتناولت بيان عظمة الله تعالى وقدرته ، وفي النهاية تكلمت عن الرحمة المهداة للعالمين سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم .

وسميت سورة الأنبياء بهذا الاسم وذلك لأنها ذكر فيها الغالبية العظمي من الأنبياء عليهم السلام هم إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ولوط ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، وإسماعيل ، وذو الكفل ، وذو النون ، وزكريا ، وعيسى عليهم السلام ، وتقع السورة في الجزء السابع عشر في الحزب الثالث والثلاثين ، وترتيبها في المصحف الواحدة والعشرين من بين السور وآياتها اثنتا عشرة ومائة آية ، وهي مثل السور المكية التي تناولت الإلوهية لله تعالى ويوم القيامة والنبوة .

مضامين سورة الأنبياء

تضمنت سورة الأنبياء عدد من المعاني والمقاصد الهامة لكل مسلم مؤمن بالله تعالى فقد ذُكر فيها الأنبياء وأدعيتهم وكيف كان يستجيب الله تعالى لهم ومن أهم هذه المضامين كالتالي :

-تحذير الناس من العذاب وأنه واقع لا محالة ، وتعريفهم بالبعث .

-إقامة الحجة الدامغة على أن البعث واقع لا محالة لأن الله تعالى خلق السموات والأرض من العدم وخل الماء وكل شيء .

-تحذير الناس من تكذيب الرسول صلّ الله عليه وسلم وتكذيب القرآن الكريم .

-تذكير الناس أن النبي محمد صلّ الله عليه وسلم أنه بشر مثل بقية الأنبياء جاء برسالة مثل من سبقوه من الأنبياء والمرسلين  عليهم السلام .

-ذكر أخبار المرسلين عليهم السلام .

-تذكير الناس بما حدث للأقوام السالفة التي كذبت الرسل عليهم السلام .

-التعظيم من شأن القرآن الكريم ونعمته وأنه كتاب الله المنزل .

-تحذير الناس من طول الأمل والاغترار بالدنيا .

-تنبيه الناس من وجود حياة أخرى غير تلك الحياة التي نحياها .

-وحدانية الله تعالى ونزيه جل وعلا عن الشرك .

-التأكيد على أن كل المخلوقات مصيرها الفناء .

-التأكيد بنعم الله سبحانه وتعالى علينا .

-أخبار الرسل والمرسلين ومقارنة أحوالهم وأحوال أقوامهم مع سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم وقومه .

-التأكيد على أن جميع الأنبياء عليهم السلام جاءوا بدين واحد هو عبادة الله وحده لا شريك له ، ثم ثناء الله تعالى على المؤمنين وأن عاقبتهم في الدنيا والأخيرة .

فضل سورة الأنبياء

لكل القرآن فل كبير ولكن سورة الأنبياء خصوصًا ورد في فضلها أحاديث كثيرة عن النبي صلّ الله عليه وسلم كما أنها تضم الأدعية المأثورة التي دعا بها الأنبياء والمرسلين رضوان الله عليهم ، فيها دعاء سيدنا يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأية 87 ، وورد فيها أدعية أخرى مثل دعاء سيدنا أيوب عليه السلام {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الأية 83-84 ، ودعاء سيدنا زكريا عليه السلام {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} الأية 89-90 .

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي أراد بالعتاق الأول السور التي نزلت بمكة وأنها من أول ما تعلمه من القرآن ، وهذه السورة محل اعتزاز لصحابي الجليل ولأنها من مصابيح الهداية التي أضاءت قلبه فتفق إيمانًا وعلمًا وهدى .

وليس في سورة الأنبياء دعاء صريح بهلاك الكفار وإنما فيها التأكيد أن سيدنا محمد صلّ الله عيه وسلم أرسله الله تعالى للعالمين ومن هنا يظهر التناسب بين آيات السورة والانسجام والتناسق العجيب في المعنى والهدف فكل نبي رحمة لقومه يحظى بها من آمن منهم ومحمد صلّ الله عليه وسلم رحمة للعالمين فقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الآية 107 .

كما أن الدعاء في سورة الأنبياء له طابع الخصوصية ، فلكل نبي مطلب في السورة لحاجة خاصة به ولما كانوا هم أعرف الخلق بالله فقد اشتملت السورة على جوامع الدعاء ولطائف الأنس والمناجاة وفي ذلك تربية للمؤمن لينهل من هذه الأدعية النبوية ما يناسب حاجته ، فقد أنعم الله تعالى على هذه الأمة فجعلها وراثة لتجارب وعلوم ومعارف الأنبياء السابقين في التوحيد والدعوة والدعاء والصبر وقد أمر الله تعالى سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم أن يقتدي بهم .