كان طليحة رضي الله عنه من قبيلة تدعى أسد، وتقع تلك القبيلة ما بين منطقة نجد إلى أرض الفرات، وقد اعتنق الإسلام في العام التاسع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك عندما حضر مجموعة من رجال قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المدينة المنورة، ليعلنوا إسلامهم بين يديه فكان طليحة واحدًا منهم، وكان طليحة أيضا واحد ممن قاتلوا في صفوف المشركين في غزوة الخندق قبل إسلامه.
ردته وادعائه النبوة
ولكن طليحة بن خويلد لم يكن من الصحابة الذين استسلموا لله بعد أن ذاق حلاوة الإيمان، فقد كان حب الدنيا وشهواتها مازال باقيًا في قلبه حتى أنه خرج من جعبة الإسلام إلى غياهب الشرك والكفر مرة أخرى، ليس هذا فقط ولكنه فعل كما فعل مسيلمة الكذاب وغيره، وادعى أنه رسول أت من عند الله عز وجل، وبدء يدعو قومه إلى دين جديد، وقد استجاب لدعوته تلك مجموعة من غطفان وطيء بأرض نجد.
وقد كان من بين أقواله التي ادعى أن الوحي قد نزل بها عليه، قوله: “الحمام واليمام والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام” ، وغيرها من الأقوال الغريبة، التي ذكرها من قاموا باتباعه وهداهم الله للعودة للإسلام بعد ذلك، وقد حدث ذلك الأمر المؤسف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في السنة الحادية عشرة من الهجرة النبوية، في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وبعد أن كان يقاتل في صفوف المسلمين، لرفع راية الإسلام أصبح من قادة حروب الردة، وقتل إثنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما ثابت بن أقرم، وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما، وقد أرسل أبي بكر الصديق خالد بن الوليد ليحاربه هو ومن معه، وبالفعل هُزم طليحة وأتباعه على يد خالد بن الوليد في معركة بزاخة، وفر طليحة هاربًا مع زوجته إلى الشام، وأمر أتباعه بذلك.
عودته رضي الله عنه للإسلام مرة أخرى
بعد هزيمته في معركة بزاخة، عاد طليحة إلى الإسلام مرة أخرى، وفي تلك المرة حسن إسلامه وأحس بالأسف الشديد مما فعل، وذهب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وعاد ليقاتل مرة أخرى في صفوف المسلمين بجانب خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولكنه كان يتجنب لقاء أبي بكر الصديق، والذي كان لازال خليفًة للمسلمين وقتها، وكان تجنبه لرؤيته نوع من الحياء مما فعل، ولكن أبي بكر كان يوصي خالد بن الوليد أن يستشير طليحة في أمور الحرب، ولكنه منعه من أن يعطيه الإمارة.
لقاءه رضي الله عنه بالخليفة عمر بن الخطاب
عندما التقى طليحة بعمر بن الخطاب، أبى عمر أن يسلم عليه، بسبب غضبه منه لقتله إثنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له: “اغرب عني، فإنك قاتل الرجلين الصالحين” ولكن طليحة قال له، ما معناه إن الله قد أكرمهم بالشهادة على يديه، وأنهم لو استطاعوا قتله أثناء تلك المعركة، لكان طليحة قد لقى ربه وهو على ردته، فاعجب عمر بن الخطاب بما قاله طليحة، وسامحه، وقد أوصى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص في معركة اليرموك التي شهدها طليحة، أن يقوم باستشارة طليحة فيما يخص أمور الحرب ولكنه منعه أيضا من أن يعطيه الإمارة، والسبب وراء ما فعله أبي بكر وعمر من عدم تولية طليحة للإمارة هو أن السبب وراء ردة طليحة وادعائه للنبوة، هو حبه الشديد للزعامة.
وفاته رضي الله عنه
استشهد طليحة بن خويلد رضي الله عنه، في عام احدى وعشرون من الهجرة النبوية الشريفة، في معركة نهاوند بعد أن ترك لنا درسًا وعبرة التي تجعلنا نتتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل دومًا، وهو الدعاء بالثبات على الإيمان، والتمسك بالعقيدة، فإن المرء مهما حسن إسلامه، ومهما اعتقد بأنه معصوم من الفتنة، فإن ثباته هو فضل من الله عز وجل عليه، وكرم منه على عباده، فلا أحد معصوم من الوقوع في الفتنة.
حتى وإن كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أتباعه، خاصة في عصرنا هذا الذي قد امتلأ بالفتن والمنكرات التي تنبء بقدوم أخر الزمان، ومن يستطيع أن يمسك على دينه في وقتنا هذا، فهو كمن يمسك على جمرة من نار كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل.