عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانًا قارئ فقد قيل ذاك، ويؤتي بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: ُأُمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جرئ فقد قيل ذاك»، ثم ضرب رسول الله صل الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة».
شرح الحديث:
هذا الحديث الشريف دليل قوى على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته في الآخرة وكذلك وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، فقد اقترنت العبادة والعمل بالإخلاص وكذلك قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»، فكل متوقف على صدق النوايا وإخلاص العمل لوجه الله، وليس من أجل حب الظهور والشهرة بين الناس.
فهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا في الحديث كانوا بين الناس، أصحاب أثر طيب وأفعال صالحة، فهذا القارئ للقرآن والمتعبد لله في الليل والنهار، وهذا الجواد الكريم الذي يبذل ماله على سبيل الصدقة وصلة الرحيم فلا يرد سائل ولا يمنع معطي، وهذا المجاهد والمقاتل في سبيل الله الذي لبى النداء “حي على الجهاد” فقام ليلحق بالصفوف الأولى، هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم نار جهنم، لماذا؟ لفساد نيتهم وعقيدتهم الداخلية حول ما يقدمون من أفعال صالحة وعلى الرغم من كونها أعمال تؤدي بأصحابها إلى أعلى الجنان في مرتبة الصديقين والشهداء إلا أنها أودت بهم في قعر جهنم.
ما يستفاد من الحديث:
وجوب صلاح النية قبل تقديم العمل، وذلك من أهم شروط قبول العمل، فإذا فسدت النية بطل العمل وأصبح بلا قيمة مهما كان من الأعمال الصالحة، فالنية هي الأصل ومحل انعقادها القلب، الذي لا يطلع عليه سوى رب العباد، فكم من عمل قليل رفع من قدر صاحبه وأدخله الجنة، وكم من عمل كثير لم ينفع صاحبه بمقدار حسنة واحدة، فهذا رسول الله يروي لنا قصة الرجل الذي غفر الله له لأنه سقى كلب عطشان يلهث من شدة العطش، فمجرد روية ماء أدخلته الجنة وذلك لصدق نية الرجل الذي لم يشوب عمله أي رياء، فقد صدق النية فيما يفعل فأجزاه الله المغفرة.