خلق الله سُبحانه وتعالى البشر، وأرسل إليهم رسلًا وأنبياءَ من بينهم؛ ليقَوِّموا اعوجاجهم عن طريق الحق، ويرشدوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد. وذَكر لنا الخالق عزَّ وجل قصص أولئك الرسل والأنبياء في القرآن الكريم توثيقًا لتلك القصص وموعظةً للمؤمنين. فكان من بين ما ذُكِرَ في القرآن الكريم قصة ذو النون إذ قال تبارك وتعالى في سورة الأنبياء: { وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمين }.
من هو ذو النون
ذو النون هو نبي الله يونس عليه السلام، يُدعَى يُونُسَ بن متَّى نِسبةً إلى أُمِّه متَّى، أما أبوه فيتصل نسبه ببنيامين ولد يعقوب وأخي يوسف عليهما السلام. وهو أحد الأنبياء الصالحين الذين كرَّمهم الله عزَّ وجل واختارهم ليحملوا أمانة الدعوة إليه ويتحملوا في سبيلها الكثير طمعًا في رضا الله عز وجل ونَيل جنَّاته. أرسله الله تبارك وتعالى إلى قوم نَيْنوى في أرض الموصل بالعِراق، البالغ عددهم مئة ألف أو يزيد، إذ كانوا يَعبدون من دون الله صنَمًا يسمونه عِشتار. فذهب إليهم يونس حاملًا دعوته امتثالًا لأمر الله عزَّ وجل، وأخذ يدعوهم لعبادة الله الواحد الأحد، متحمِّلًا شتى أساليب التمرُّد والأذى.
ظل ذو النون يونس عليه السلام يدعو قومه لترك عبادة الأصنام، ليعبدوا الله الواحد الأحد ويتوبوا إليه، فلم يُبدِ القوم أي استجابة لدعوته، وأصروا على كفرهم وعصيانهم. أصاب كفرهم وعنادهم يونس عليه السلام بالإحباط واليأس، فغضب وقرر الرحيل عنهم، وما كان لنبيٍّ أن يُقدِم على هذا الفعل دون إذنٍ من الله عزَّ وجل، لكنه فَعَل.
لماذا سمي ذو النون بهذا الاسم
خرج سيدنا يونس عليه السلام غاضبًا من عدم استجابة قومه له، وإصرارهم على ما هم عليه من شرك، فركب سفينة لتنقله إلى مكان آخر، فلما بلغت السفينة عرض البحر بدأت تهتز بهم وكادت تغرق بمن عليها، حتى شار أحدهم بضرورة الاقتراع من أجل اختيار شخص واحد يُضحي ويقذف نفسه في البحر ليُنقذ من بقيَ على السفينة. فاقترعوا ثلاثًا، وفي كل مرة كانت القرعة تقع على يونس عليه السلام. وعلى الرغم من اعتراض مَن على السفينة، إلا أنه -عليه السلام- أصرَّ على أن يُلقي بنفسه في البحر.
لقد كان هذا عتابًا من الله عز وجل لعبدٍ أحبه لكنه عصى وأخطأ، فأمر الله سبحانه وتعالى حوتًا عظيمًا أن يلتقمه، ويُبقيه في بطنه دون أن يلتهم منه لحمًا أو يكسر له عظمًا، فيكون بذلك قد حماه من الغرق، إلا أنه لقَّنه درسًا قاسيًا وأذاقه ظلمة الحوت لوقت لا يعلمه إلا هو، حتى تاب يونس وأقرَّ بخطئه، وظل يُردد “لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنت من الظالمين”، فاستجاب الله تعالى له ونجاه من الغم، وأمر الحوت أن يُلقي به على اليابسة، وأنبت فوقه شجرة يقطين ليستظل بها ويأكل من ثمرها ليُعوِّض ما أصابه من ضعف وهزال. وقد سُمِّي يونس عليه السلام ذو النون بمعنى صاحب الحوت نسبةً لهذا الموقف.
حال قوم ذي النون بعد رحيله
على الرغم من كل ما بدا من هؤلاء القوم من كفر وعناد، إلا أن الله قذف في قلوبهم خشيته، فتابوا وأنابوا، وأخذوا يتضرعون إلى الله بالغداة والعشي كي يرضى عنهم ويرحمهم، إلا أن يونس عليه السلام لم يشهد توبتهم، ولم تقر عينه برؤية ثمرة دعوته، بسبب تسرعه واستسلامه لليأس والغضب.