كان مالك بن أنس واحداً من عمالقة القانون الإسلامي في عالم القرن ال 8 من المدينة المنورة ، في الوقت الذي كان فيه المجتمع الاسلامي في حاجة ماسة لعلوم الفقه والحديث ” من أقوال وأفعال النبي محمد ﷺ ” التي سيتم تنظيمها ، وارتفع الإمام مالك بهذه المناسبة . لقد تم جمع وتدوين القانون الإسلامي تاريخياً علي يد الإمام مالك ، بإعتبارها أهم المهام والتحديات التي اضطلعتها الجالية الإسلامية في عام 1400 م من التاريخ ، وبإعتبار الفقيه ” الخبير في القانون الإسلامي – والفقه ” ، وبخاصة مع تمكنه من القرآن والسنة وأقوال النبي محمد ﷺ، وغيرها من مصادر القانون ، فضلا عن مواضيع أخرى مثل قواعد اللغة والتاريخ .

الإمام مالك بن انس

أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني (93-179هـ / 711-795م) فقيه ومحدِّث مسلم، وثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، وكان معروفاً بالصبر والذكاء والهيبة والوقار والأخلاق الحسنة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ويُعدُّ كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك». وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب.

نشأة الإمام مالك بن انس

ولد الإمام مالك في عام 711 في المدينة المنورة ، بعد 79 سنة من وفاة النبي محمد ﷺ في تلك المدينة نفسها ، وكانت عائلته أصلا من اليمن ، ولكن جده انتقل إلى المدينة المنورة في عهد عمر بن الخطاب ، وكلاً من والده وجده قد درس العلوم الدينية علي يد صحابة النبي ﷺ الذي لا يزال يعيش في المدينة المنورة ، ونشأ بذلك الشاب مالك في بيئة تقوم على الدراسات الإسلامية ، حيث تعلم من والده وعمه .

وكان عم الإمام مالك ، ” نافع ” ، باحث بارز في هذه البلده ، وروى الحديث عن عائشة ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعن الصحابة اللذين حظوا بمعرفة واسعة من الأحاديث النبوية ، على الرغم من أن المركز السياسي للعالم الإسلامي تحول بعيدا عن المدينة في خلافة علي عام 650م ، إلا أنها ظلت رأس المال الفكري للإسلام ، وظلت في هذه العاصمة المعارف الإسلامية وأصبح الإمام مالك يتقن علوم الحديث ، والتفسير “تفسير القرآن” ، والفقه .

الباحث العلمي من المدينة المنورة

بعد الكم الهائل من الدراسة التي امتدت الى بلده خلال 20 و 30 سنه ، أصبح الإمام مالك المعروف باسم الرجل الأكثر أستفادة من المدينة المنورة في وقته ، أصبح المعلم ، وجذب عدد كبير من الطلاب إلى المحاضرات ، التي عقدت في مسجد النبي ﷺ ، حيث اعتاد أن يجلس على منبر المسجد ليقرأ القرآن ويروي مجموعة من الأحاديث النبوية ، وفي الآخر يقوم بتقديم الأحكام والآراء القانونية على أساس هذين المصدرين . وتوافد الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي للإستماع إلي محاضراته ، وكان من بين طلابه الأكثر ملاحظه أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني ” حيث كانوا طالبين من أهم طلاب أبو حنيفة “، وكذلك الإمام الشافعي . وكان الجانب الأكثر منهجية للإمام مالك في الفقه اعتماده على ممارسات الناس في المدينة المنورة كمصدر للقانون ، وفي دراسة الفقه ، وهناك مصادر عديدة تستخدم لاستخلاص القوانين

والمصادر الأولى والثانية الأكثر أهمية هي دائما في القرآن والسنة ، ومع ذلك فقد اختلف العلماء الكبار من الفقهاء على المصدر القادم والأهم من القانون ، وكان الإمام مالك يعتقد أن ممارسات أهل المدينة المنورة يجب أن ينظر إليها باعتبارها مصدراً هاماً .

وكان التعليل لهذا أنه في ذلك الوقت لم يكن بعيدا عن المدينة المنورة من النبي محمد ﷺ ، التي كانت بمنأى عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي كثيرا ما تبقى للتعامل معها في العالم الإسلامي ، وكان الناس اللذين يعيشون في المدينة يدرسون الإسلام من قبل أسلافهم اللذين كانوا صحابة النبي ﷺ أو الطلاب من الصحابة ، وهكذا كان كل من أهل المدينة المنورة يمارسون عمل معين ، حيث أنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة ، ومن ثم يمكن أن تؤخذ على أنها مصدر من مصادر القانون ، حيث أنها فريده من نوعها بين الأئمة الأربعة الكبيرة من الفقه في هذا الرأي ،

ومن أجل تخفيف دراسة الفقه والحديث ، فقد جمعها الإمام مالك في كتابه المعروف باسم الموطأ . وكان هذا هو الكتاب الأول الذي حاول تجميع الصوت وموثوق بها الأقوال الوحيدة من النبي محمد ﷺ ووضعها في كتاب واحد ، وقال الإمام مالك ، أنه أظهر كتابه إلى سبعين من العلماء في المدينة المنورة ، حيث وافقوا على كل ذلك ، وبالتالي أعطاها اسم الموطأ ، بمعنى “المعتمدة” .

وكان الموطأ كتاب المعلم ، حيث أنه ساعد في تأسيس علم الحديث ، وخاصة التحكيم في سلاسل من الروايات عن الحديث ، وكان الإمام مالك دقيق جدا في اختياره للحديث الذي تم وضعه على نفس المستوى ” وأحيانا أعلاه ” من مصنفات الحديث للأئمة البخاري ومسلم ، وقال الإمام الشافعي أنه لا يوجد كتاب على وجه الأرض ، بعد القرآن ، أكثر واقعية مثل الموطأ .

وكان عمل الإمام مالك مؤثرا حتى في كتاب الفقه على أن الخليفة في ذلك الوقت ، هارون الرشيد، طالب بأن يكون من الأعلام المطبوعة وجعله الكتاب الفقهي الرسمي للإمبراطورية العباسية .

ولكن الإمام مالك ، رفض ، حيث كان يعرف أنه لا يوجد تفسير واحد للشريعة الإسلامية يتميز بالكمال ، ويشمل الجميع ، وعلى هذا النحو ، قال انه رفض السماح بأن يصبح الكتاب الرسمي للفقه ، حتى لو تحت التهديد والاضطهاد والسجن .

صفات الإمام مالك بن انس

وبالإضافة إلى كونه واحداً من أعظم علماء الفقه في التاريخ ، كان الإمام مالك مسلم ومتواضع جدا ودقيق ، انطلاقا من احترام النبي ﷺ وكلماته ، وقال انه يرفض أن يروي الحديث أثناء المشي ، وبدلا من ذلك ، عندما سئل عن الحديث ، قال انه توقف ، وجلس ، لإعطاء الحديث الاهتمام الذي يستحقه ، واحتراما للنبي محمد ﷺ ، وقال انه رفض أيضا ركوب أي حيوان في المدينة المنورة ، معتبر أنه لا يصح ان يركب ويمشى على نفس التراب الذي سارت عليه قدم محمد ﷺ ، وهذا نوع من الاحترام الزائد والدقة في التفاصيل احتراما للنبي محمد ﷺ وهي بالتأكيد ليست إلزامية وفقا للشريعة الإسلامية ، بل هي مجرد علامة على تركيز الإمام مالك بوضعها توضح أهمية محمد ﷺ .

وعندما شرع الإمام مالك على دراسة العلوم الإسلامية مع المعلم ، نصحته والدته ” ليتعلم من معلمه أخلاقه قبل أن يتعلم منه علمه” .

وتطورت أيديولوجية الإمام مالك في الفقه في المذهب المالكي ” المدرسة ” ، كما تمنى الإمام مالك ، ولم تفرض على المسلمين المدرسة الوحيدة للشريعة الإسلامية ، وبدلا من ذلك ، فإنه أكمل ثلاث مدارس أخرى ليكون لها الأسبقية في العالم الإسلامي السني – ومدارس الحنفي ، والشافعي ، والحنبلي ، وحظي المذهب المالكي بشعبية كبيرة في شمال وغرب أفريقيا ، فضلا عن مسلم اسبانيا ، واليوم يبقى المذهب الرئيسي في شمال وغرب أفريقيا .

وفاة الإمام مالك بن انس

مرِض الإمام مالك قبل وفاته اثنين وعشرين يوماً، ثمّ توفّاه الله -سبحانه وتعالى- يوم الأحد؛ في العاشر من شهر ربيع الأول، سنة مئة وتسع وسبعين من الهجرة النبويّة الشريفة، وقال ابن سعد: (لأربع عشرة خلت منه)، وقال ابن نافع: كان عمر الإمام مالك حينها سبعةً وثمانين عاماً، كان أثناءها مُفتياً في المدينة ستّين سنةً، وقال الواقدي: كان عمره تسعين عاماً.