القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هما مصدرا التشريع في الإسلام، فالقرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- الذي أنزله على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي جبريل -عليه السلام-، وتُقرأ آيات القرآن الكريم في الصلاة ولا تصح إلّا به، والسنة النبوية الشريفة هي كل ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وقد عكف الكثير من العلماء المسلمين على دراسة هذه المصادر لتفسير ما جاء بها وشرحها من أجل تسهيل تطبيق أحكام الدين، ومن هؤلاء الفقهاء الإمام الشافعي، وللمزيد من الفائدة سيقدم هذا المقال معلومات حول من هو الإمام الشافعي.
الإمام الشافعي
الإمام الشافعي هو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي، ولد في عام 150 هجري، ويُمكن اعتباره أحد الأئمة الأربعة المهمين لدى أهل السنة والجماعة، فهو صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، كما أنّه أسس أصول الفقه، ولعل أهم ما يُميزه هو ذكاؤه، وحكمه العادل بين الناس، وفصاحة لسانه، وكثرة ترحاله، وقد أثنى العديد من العلماء عليه وخصوصاً الإمام أحمد حيث قال: (كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس).
مولد ونشأة الشافعي
ولد الإمام الشافعي في مدينة غزة في فلسطين، ثم انتقلت عائلته إلى مدينة مكة وذلك عند بلوغه عمر السنتين، فحفظ القرآن الكريم كاملاً وهو يبلغ الأربع سنين، ثم بدأ بطلب العلم في مدينة مكة وذلك قبل أن يبلغ سن العشرين، وبعد أن بلغ سن العشرين هاجر إلى المدينة المنورة، وطلب التعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم هاجر إلى اليمن، ثم هاجر إلى مدينة بغداد وذلك في عام 184هجري، فطلب العلم عند القاضي محمد بن الحسن، وبدأ بدراسة المذهب الحنفي. عاد الأمام الشافعي إلى مدينة مكة، وعاش فيها حوالي تسع سنوات، وأثناء فترة سكنه هناك علّم الناس المذهب الحنفي في الحرم المكي، ثم هاجر إلى مدينة بغداد مرة ثانية، فعاش فيها حتى عام 195م، وقد كتب كتاب (الرسالة) والذي كان شرحاً لعلم أصول الفقه، ثم هاجر إلى مصر وذلك في سنة 199هجري، وقد قام بنشر مذهبه هناك، وبقي فيها حتى توفي في عام 204هجري، وكان ذلك بسبب مرض البواسير. كما كان له أربع أبناء وهم: محمد أبو عثمان، وفاطمة، وزينب، ومحمد أبو الحسن.
دراسات في ظل الإمام مالك
وهو في سن الثالثة عشرة من عمره ، دفعه حاكم مكة للسفر إلى المدينة المنورة لتلقي الدراسة عي يد الإمام مالك نفسه ، وكان الإمام مالك معجب جدا بالمخابرات والعقل التحليلي للشباب الشافعي ، وقدم له المساعدات المالية لضمان إكمال دراسته الفقهية .
وفي المدينة المنورة ، كان الشافعي مغموراً تماما بالبيئة الأكاديمية للوقت ، بالإضافة إلى الإمام مالك ، حيث قال انه درس على يد الإمام محمد الشيباني ، وهو واحد من طلاب الإمام أبو حنيفة ، حيث اطلع الشافعي علي اختلاف وجهات النظر حول دراسة الفقه ، وأنه استفاد كثيرا من التعرض لمختلف المناهج الفقهيه ، وعندما توفي الإمام مالك في عام 795، كان الإمام الشافعي معروفا ليكون واحدا من العلماء الأكثر دراية في العالم ، على الرغم من انه كان في الـ 20 من عمره .
أسفار الامام الشافعي
لم يمض وقت طويل بعد وفاة الإمام مالك ، إلا ودعي الإمام الشافعي للسفر إلى اليمن للعمل كقاض للحاكم العباسي ، إلا أن اقامته هناك لم تستمر طويلا ، والمشكلة كانت في كونه أستاذاً جامعياً ، بينما لم يكن الإمام الشافعي على استعداد للعيش في البيئة التي وجد نفسه فيها مشحوناً بالسياسية . ولكنه أصر على أن يكون عادلاً وصادق دون هوادة ، مما جعل الفصائل العديدة داخل الحكومة تهدف إلى إزالتة .
وفي عام 803 م ، ألقي القبض عليه وارسل بالسلاسل إلى بغداد ، مقر الخلافة العباسية ، بتهم ملفقة إليه ، علي إنه يقوم بدعم المتمردين الشيعة في اليمن ، وعندما التقى مع الخليفة في ذلك الوقت ، هارون الرشيد ، أعطى للإمام الشافعي دفاع حماسي وبليغ ، حيث أعجب به كثيرا كخليفة ، ولم يفرج عن الإمام الشافعي فقط ، بينما أصر هارون الرشيد على بقاء الإمام الشافعي في بغداد للمساعدة في نشر العلم الشرعي في المنطقة ، واتفق الشافعي وقرر بذكاء إلى البقاء بعيدا عن السياسة في الفترة المتبقية من حياته .
وأثناء وجوده في العراق ، قال انه انتهز الفرصة لمعرفة المزيد عن المذهب الحنفي ، وقال انه لمَ يشملهم مع أستاذه القديم ، محمد بن الحسن الشيباني ، في اطار التيقن بالتفاصيل المعقدة من المذاهب ، على الرغم من انه لم يلتقى قط بالإمام أبو حنيفة ، وقال انه يكن احتراما كبيرا لمنشئ المدرسه التي تهتم بدراسة الفقه .
وطوال حياته وهو في العمر الذي يتراوح بين 30 و 40 سنه ، سافر الإمام الشافعي في جميع أنحاء سوريا وشبه الجزيرة العربية ، حيث قام بإعطاء المحاضرات مع تجميع مجموعة كبيرة من الطلاب الذين درسوا تحت إمارته ، وكان من بينهم الإمام أحمد ، المنشئ للمدرسة الرابعة للفقه والمذهب الحنبلي ، وفي نهاية المطاف ، قال انه ذهب إلى بغداد ، ولكن وجدت أن الخليفة الجديد ، المأمون ، قد عقد بعض المعتقدات الغير تقليدية جدا عن الإسلام ، وكان معروفا بإضطهاد هؤلاء الذين اختلفوا معه ، ونتيجة لذلك ، في عام 814 م ، كان الأنتقال النهائي للإمام الشافعي ، ولكن في هذه المرة إلى مصر ، حيث استطاع أن يصقل من الآراء القانونية له ، وأخيرا تنظيم دراسة أصول الفقه .
صحيفة الرسالة
خلال عام 700 م والجزء الأول من عام 800 م ، كان هناك اثنين من الفلاسفه المتنافسين حول كيفية وضع القانون الإسلامي ومن أين يجب أن يستمد ، وتمت ترقيه واحداً من فلاسفة لأهل الحديث ، بمعنى “أهل الحديث” ، اللذين أصروا في الاعتماد المطلق على التفسير الحرفي للحديث وعدم جواز استخدام العقل كوسيلة لاستخلاص القانون الإسلامي ، وكان يطلق على مجموعة أخرى مثل أهل الرائ بمعنى ” أهل العقل” ، انهم يعتقدون أيضا في استخدام الحديث بطبيعة الحال ، ولكن قبل هذا السبب كمصدر رئيسي للقانون ، واعتبرت مدارس الحنفي والمالكي للفقه هي الغالبه علي اهل الرائ في ذلك الوقت .
وقد درس في كل من المدارس الفقهية ، فضلا عن اكتسابه معرفة واسعة من الحديث الصحيح ، وسعى الإمام الشافعي إلى التوفيق بين اثنين من الفلسفات وإدخال منهجية واضحة للفقه – المعروفة باسم أصول الفقه ، حيث أسفرت جهوده لتحقيق هذه الغاية في عمله المنوي ، لصحيفة الرسالة .
ولم يكن من المفترض أن تكون صحيفة الرسالة هو الكتاب الذي يناقش القضايا القانونية المعينة والرأي الشافعي بشأنها ، كما أنه كان من المفترض أن يكون كتابا للقواعد والشريعة الإسلامية .
وبدلا من ذلك ، كان من المفترض أن يوفر وسيلة معقولة وعقلانية لاستخلاص القانون الإسلامي. ولذلك ، حدد الإمام الشافعي أربعة مصادر رئيسية يمكن من خلالها تستمد الشريعة الإسلامية :
1. القرآن
2. السنة النبوية
3. التوافق بين المجتمع المسلم
4. خصم قياسي ، والمعروف باسم القياس
ولكل واحد من هذه المصادر ” فضلا عن عدة مصادر آخري التي يراها لا تقل أهمية ” ، حيث ذهب إلي العمق في كتابه الرسالة ، موضحا كيف لها أن تفسر وتوافقت مع بعضها البعض ، في الإطار الذي ينص على الشريعة الإسلامية التي أصبحت فيها الفلسفة الفقهية الرئيسية والتي وافق عليها جميع العلماء لاحقاً للشريعة الإسلامية ، حتى تم تكييف المدارس الحنفيه والمالكيه للعمل ضمن هذا الإطار الذي قدمه الشافعي .
وكانت مساهمات الإمام الشافعي في مجال أصول آل الفقه ضخمة ، حيث منعت أفكاره تهتك الدراسة الفقهية في مئات من مختلف المدارس ، والتنافس من خلال توفير الفلسفة العامة التي يجب الالتزام بها ، ولكنها قدمت أيضا ما يكفي من المرونة لكي يكون هناك تفسيرات مختلفة ، وبالتالي للمذاهب المختلفه ، على الرغم من أنه ربما لم يكن يقصد ذلك ، ودون أتباعه آرائه القانونية ” التي كانت قد وضعت في كتاب آخر ، الكتاب الام” بعد وفاته في عام 820 م ، في المذهب الشافعي.
واليوم ، يعد المذهب الشافعي هو ثاني وأكبر المذاهب بعد المذهب الحنفي ، الذي يحظى بشعبية كبيرة في مصر وفلسطين وسوريا واليمن وشرق أفريقيا ، وجنوب شرق آسيا.
لغة الإمام الشافعي
وبالإضافة إلى كونه عملاق وباحث في مجال الفقه ، لوحظ أن الإمام الشافعي يتميز ببلاغته وعلمه للغة العربية ، ومن خلال أسفاره ، كان البدو ، اللذين يعروفنه بأنه أفضل ضليع في اللغة العربية ، يحضرون محاضراته ليس لاكتساب المعرفة الفقهية ، ولكن فقط لإعجابهم بأسلوبه في استخدام اللغة وإتقانه الشعر ، وأشار أحد من أصحابه ، مثل ، ابن هشام ، أنه ” لم يسمع ابدا أن ” الإمام الشافعي” استخدم أي شيء آخر غير الكلمة التي كانت مدروسة بعناية ، ولم يجد أفضل من مصطلحاته في اللغة العربية بأكملها ”.
تاريخ وفاة الإمام الشافعي
توفي الإمام الشافعي سنة مئتين وأربعة، وتحديداً بعد العشاء من ليلة الجمعة من شهر رجب، وكان آخر يومٍ من الشهر، وعاش أربعاً وخمسين سنةً، ودفن يوم الجمعة، وورد أنّه قال في مرض موته: (أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، وعلى الله وارداً، ما أدري روحي تصير إلى جنةٍ فأهنِّيها، أو إلى نارٍ فأعزِّيها).[١]