ذكرت قصة خلق آدم –عليه السلام- في الكثير من المواضع القرآنية ، فأوضح القرآن الكريم خلق الله –جل وعلا – لآدم من تراب ثم نفخه –جل وعلا- فيه من روحه ، وأمر الله تعالى الملائكة أن تسجد لآدم تكريماً وتعظيماً له فسجدت جميع الملائكة إلا إبليس ، وأمر الله تعالى آدم بأن يسكن الجنة وكان قد خلق منه زوجه حواء ، فتنعما في نعيم الجنة فكانا لا يجوعا فيها ولا يعريا ، ونهاهما عن الإقتراب من شجرة معينة فوسوس لهما الشيطان بأن يأكلا من هذه الشجرة فقال لهما : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) .
ثم أمر الله بعدها آدم بالنزول هو وزوجه من الجنة ليسكنا في الأرض ( قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) فبدأ التكاثر والتناسل وأصبح الخلق شعوباً وقبائل ، ولكن يتسائل البعض عن مكان نزول آدم فاختلف العلماء في هذا الأمر وسوف نوضح من خلال هذا المقال بعض الأقوال المأثورة بهذا الصدد .
مكان نزول آدم عليه السلام
لم يذكر القرآن الكريم نص حديث عن مكان النزول ، كما لم يرد بسنة سيدنا محمد –صل الله عليه وسلم – أي تفاصيل ، ولكن هناك بعض الأقوال المأثورة لبعض العلماء عن مكان النزول فربما تصح وربما تخطأ ، فكما عهدنا أن وقت الإختلاف يجب علينا الإحتكام للقرآن والسنة ، ولكن لم يتم ذكر أي معلومات فيهما ، فيبقى العلم لله وحده بهذا الأمر ، فيمكننا معرفة هذه الأراء طالما لم تأتي مخالفة للشرع فيمكننا تناول العلم ونقله من باب الإستئناس حتى وإن لم يتم التأكيد على إثباته ، وسوف نوضح أراء بعض العلماء في هذا الموضوع .
-روي عن الحسن البصري رحمه الله فقال : أن نزول آدم كان في الهند ، بينما نزلت حواء بجدة في المملكة العربية السعودية .
– نقل ابن كثير عن ابن السدي رحمهما الله حيث قالا : أن نزولهما جميعا كان في الهند ، وأنهما لم يفترقا منذ نزولهما من حيث المكان .
-ذكر بعض العلماء أن نزولهما كان في منطقة بين مكة والطائف تسمى دحنا ، كما يؤيد هذه الرواية ما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنه – حيث قال : (أُهبِطَ آدمُ إلى أرضٍ يقالُ لَها دَحنا بينَ مَكَّةَ والطَّائفِ) .
– عن ابن عمر رضي الله عنه قال : (أهبط آدم بالصفا في مكة المكرمة ، وحواء في المروة ) .
سبب نزول آدم من الجنة
عند خلق الله –جل وعلا – لآدم أمر سبحانه الملائكة بالسجود لأدم تكريماً له وتعظيماً لله الخالق فلم يكن سجود عبادة ، ولكنه كان من باب الطاعة الدائمة المعهودة للملائكة لأمر الله ، فالملائكة لا تعصي لله أمراً فسجد جميع الملائكة إلا إبليس أبى واستكبر وترفع ،عن السجود ولم يكن إبليس ملكاً ، وإنما ترفع لعبادة الله الخالق فسلك ونَهَجَ نَهْج الملائكة ، وعلل إبليس عدم سجوده بأنه أفضل من آدم فهو مخلوق من نار بينما آدم خلق من طين وذكر القرآن أكثر من موضع لهذه القصة فقال الله تعالى :
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا(
وفي هذا الوقت غضب الله تعالى عليه وطرده من بين الملائكة بعد أن قربه فأصبح مثلهم .
توعد إبليس بعد طرده بأن يغوي بني آدم ، وكأنه يعلم أن سوف يكون لأدم ذرية ونسل يعبدون الله تعالى ، فتوعد بإبعادهم عن الجنة كما أبعده الله عنها ، وطلب من الله أن يجعله من المنظرين فقال كما ذكر في القرآن الكريم في سورة الأعراف :
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ*قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ*قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ*قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ).
وهنا بدأت رحلة إبليس بإغواء آدم –عليه السلام –حيث أوهمه أن الشجرة الذي نهيا عن الإقتراب منها هي شجرة الخلد ، وأنه عندم يأكل منها سيعيش أبد الآبدين ، وأنه عند أكلهما منها سيصبحا ملكين من المقربين ، فأكلا من الشجرة وعصيا أمر ربهما فبدت لهما سوأتهما فاستحقا العقوبة فأنزلهما الله من الجنة بعد أن استغفر آدم ربه فغفر له ، وذكر في القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة الأعراف :
(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ*فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ*فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
موت آدم عليه السلام
وفقاً لما ورد عن الرسول – صل الله عليه وسلم –أن وفاة آدم عليه السلام كانت في يوم الجمعة ، وأن الملائكة جاءت لآدم بكفنٍ وحنوطٍ من الجنة ، وتولى الأمر بعد موت آدم ابنه شيث ، وكان تعلم من أبيه كل شئ ، وقيل كذلك أن جميع أنساب بني آدم تنتهي عند شيث بن آدم عليهما السلام ، وروي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه عن الرسول –صل الله عليه وسلم – فقال :
( لما حضر آدم عليه السلامُ قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرج بنوه فاستقبلتهم الملائكة فقالوا أين تريدون يا بني آدم قالوا بعثنا أبونا لنجني له من ثمار الجنة فقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم حتى دخلوا على آدم فلما رأتهم حواء عليها السلام ذعرت منهم، وجعلت تدنو إلى آدم وتلصق به، فقال لها آدم: إليك عني فمن قبلك أتيت خل بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه ثم صلوا عليه ثم حفروا له ثم دفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذا سنتكم في موتاكم فكذاكم فافعلوا )