ذكر القرآن الكريم العديد من صور الحديث إلى الله و الدعاء له من الأنبياء و الصالحين ، و قد ظهرت هذه الأحاديث و الأدعية بشكل غاية في التأدب ، لدرجة أن أدعيتهم تعتبر من أفضل الأدعية التي وردت في الدين الإسلامي .

صور لتأدب الأنبياء
ذكر القرآن الكريم العديد من الأحاديث و الأقوال التي وردت عن لسان الأنبياء ، و التي أظهرت مدى تأدبهم في الحديث ، و حتى في طلب الدعاء من الله ، و قد كان من بين هؤلاء الأنبياء سيدنا موسى و أيوب و إبراهيم و غيرهم الكثيرين ، و علينا أن نتخذ طريقتهم كأساسا للدعاء و الحديث مع الله كما تعودنا دائما أن نتخذ قدوتنا من رسول الله و القرآن الكريم .

أيوب عليه السلام
كان سيدنا أيوب مثالا للصبر و التأدب مع الله ، ذلك النبي الكريم الذي أصابته مصائب الدنيا من فقدان لمال و أهل و صحة ، فبقي على حاله يدعو الله و يستغفر له ، و لم ينقم على حياته قط ، و عندما اشتد به الألم أبى أن يشكو ألمه إلى الله أو يستنكر حاله ، فقال دعائه العظيم ( رب إني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين ) ، و كأن كل ما أصابه هذا ليس إلا مس من الضر ، فكان مثالا للأدب في القرآن الكريم .

يعقوب عليه السلام
ابتلي يعقوب عليه السلام بضياع ابنه يوسف الذي تآمر عليه اخوته ، حتى ابيضت عيناه من الحزن على فراق ابنه ، و ما كان منه إلى الله سوى التأدب في الدعاء ، فيذكر عن النبي يعقوب عليه السلام أنه حين ابتلي بهذا البلاء ما قال سوى كلماته العظيمة ( إنما أشكو بثي و حزني إلى الله ) .

عيسى عليه السلام
كان سيدنا عيسى عليه السلام مثالا يحتذى به في التأدب مع الله ، فعلى الرغم من تلك المصائب و الابتلاءات التي وقعت على عاتقه ، فما كان منه إلا الصبر على بني إسرائيل ، و حينما اتخذ إله هو و أمه دار حديث غاية في الأدب بينه و بين الله ، فقال له الله جل و على وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) سورة المائدة ، فحينما قال الله عز وجل له إن كان قال للناس أنه و أمه آلهة من دون الله فلم يرد على الله قائلا لا لم يحدث هذا ، و إنما رد بمنتهى التأدب بأن الله يعلم ما في نفسه ، و أنه لم يفعل سوى ما أمر به .

إبراهيم عليه السلام
ذكرت العديد من الصور لتأدب إبراهيم مع الله ، فكان من بينها كلماته عن عطايا الله الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) سورة الشعراء ، فقد تحدث سيدنا إبراهيم عن الله بأنه هو من يخلق و يهدي و يطعم و يسقي ، و لكنه لم ينسب له المرض و إنما نسب له الشفاء ، و هناك العديد من الصور الأخرى في قصته مع سيدنا الخضر .

محمد صلى الله عليه وسلم
إن ذكرنا التأدب مع الله فلا يمكننا ختام حديثنا دون الحديث عن خاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك النبي الكريم الذي كان مثالا للأدب مع الله في كل أقواله و ما ورد عنه ، فكان من بينها عندما كان يقوم للصلاة ليلا حتى تتفطر قدماه ، فحينما سئل عن هذا قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا ، و كذلك عندما سئل عن أحب الألقاب لقلبه فقال ” لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله ” . متفق عليه .