حكم إسقاط الدين عن المدين واعتبار ذلك من الزكاة، منع كثير من الفقهاء إسقاط الدين في مقابل الزكاة، وأجازه بعض الفقهاء بشرط أن يكون المدين عاجزًا عن الوفاء، وأن يبرئه من دينه، ويعلمه بذلك، أو أن يكون الدين بسبب القرض وليس بسبب التجارة وفيما يلي سوف نستعرض بعض آراء العلماء.
آراء العلماء في حكم إسقاط الدين عن المدين واعتبار ذلك من الزكاة:
– قال الإمام النووي: إذا كان لرجل على معسر دين، فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي، فوجهان في مذهب الشافعي، أصحهما لا يجزئه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد؛ لأن الزكاة في ذمته فلا تبرأ إلا بإقباضها، والثاني: يجزئه وهو مذهب الحسن البصري وعطاء لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز، فكذا إذا لم يقبضه كما لو كانت عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة، فإنه يجزئه سواء قبضها أم لا.
أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه، فلا يصح الدفع إليه، ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق، وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين برئ منه، ولو قال المدين: ادفع إلي زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة، وملكه القبض، ولا يلزمه دفعه إليه عن دينه، فإن دفعه أجزأه.
– وقال ابن حزم: من كان له دين على بعض أهل الصدقات، فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك أنه من الزكاة، أجزأه ذلك، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه، وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة، فإنه يجزئه، وبرهان ذلك؛ أنه مأمور بالصدقة الواجبة، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة، فقد أجزأه.
واستدل ابن حزم بحديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «تصدقوا عليه» قال: وهو قول عطاء بن أبي رباح وغيره.
– يرى فضيلة الشيخ ابن عثيمين: أنه لا يجوز إسقاط الدين عن المدين واعتبار ذلك من الزكاة لأن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد» فقال: «تؤخذ من أغنيائهم فترد» فلابد من أخذ ورد والإسقاط لا يوجد فيه ذلك، ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده فكأنما أخرج الرديء عن الطيب، لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاة عنها لنقصه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
ومثال ذلك لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريـال زكاة وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريـال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريـال، وهي زكاتي لهذا العام، قلنا: هذا لا يصح، لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة عين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منه، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع.