تمر على الأفراد الكثير من الأزمات الاقتصادية وغيرها، وتؤدي إلى دخولهم في مشكلات يعجز عن حلها الكثيرين، ويتسائل الجميع متى الفرج، ويظن البعض ظنًا سيئًا في اعتقاده وإيمانه بأن بعد العسر يسرًا، حتى إذا تملكت منه الأزمة وسيطرت على كافة التفكير، وبذلك يكون الشيطان قد تمكن من الفرد وزرع فيه اليأس والجحود ونجح في أن يجعله أسيرًا لديه.
الدلائل على قدرة الله
على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى ألزم عباده المؤمنين بالصبر والدعاء والإلتزام بالتقوى، وقال سبحانه وتعالى ” لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ( الطلاق 1)، وأيضا في سورة الشرح: “فإن مع العسر يسرا”[ الشرح: 6 ]، (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [ الطلاق: 7 ]، وجاء في الحديث الشريف عن الترمذي ” أفضل العبادة انتظار الفرج) وكما قال سبحانه: (أليس الصبح بقريب)!، وفي الحديث الشريف الصحيح: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) وقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا).
قصة نبي الله يوسف
تُعد قصة نبي الله يوسف من أروع الأمثلة على انتظار الفرج وتأكيد أن العسر يأتي بعد اليسر، فبدأ سيدنا يوسف طريقه من قاع البئر، وعاش طفولته عبدًا مملوكًا وعاش شبابه أسيرًا سجينًا، ومات عزيزًا على مصر، وهذا تفسير ” لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا”.
وجاءت القصة كالتالي :
كان لنبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام اثنا عشر ولدًا ذكورًا، ومن هؤلاء الأولاد سيدنا يوسف عليه السلام، عندما بلغ سيدنا يوسف عليه السلام السابعة عشر من عمره، رأى في المنام أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، فأسرع إلى والده يخبره برؤياه هذه (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).
ومن خلال نفاذ بصيرة والده عَلِم أنه سيكون ليوسف شأنٌ عظيمٌ ومكانةٌ رفيعةٌ، فطلب من يوسف ألا يخبر أخوته بتلك الرؤيا حتى لا يكيدوا له ويدبروا له، وذات يوم اجتمع الإخوة ليدبّروا مؤامرة ليوسف كي يبعدوه عن والده الذي يحبه حبًا شديدًا، فاقترح أحد الأخوة بأن يقتلوا يوسف، بينما اقترح آخر بأن يلقوا يوسف في أرضٍ بعيدة كي ينساه والده ويحبهم بدلاً من يوسف، ثم يتوبون بعد ذلك عن فعلتهم هذه.
فقاموا بإلقاء يوسف في بئرٍ، ثم عادوا إلى والدهم مساءً يبكون ويزعمون أن الذئب قد أكل يوسف عليه السلام بعد أن ذهبوا للسباق وتركوه عند متاعهم، وقد جاؤوا على قميصه بدمٍ كذبٍ كشاهدٍ على كذبتهم، لكنّ يعقوب لاحظ أن قميص يوسف لم يمزّق، وأحس بمؤامرتهم فوكل أمره إلى الله واحتسب، وقال لهم: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).
وبقي يوسف في البئر، حتى أتى ذلك اليوم الذي مرت به قافلةٌ متجهةٌ إلى مصر، فأرسلت القافلة واحدًا منهم لجلب الماء لهم من البئر، فلما ألقى بالدلو في البئر تعلق به يوسف، فلما رأى الرجل يوسف فرح كثيرًا واستبشر به.
وأخذت القافلة يوسف معهم إلى مصر كي يعرضوه للبيع، وبينما هو في السوق معروضًا للبيع، أتى عزيز مصر ليشتري غلامًا له؛ فوقعت عينه على يوسف وقرر أن يشتريه، فاشتراه ببضع دراهم. ثم عاد به إلى البيت وطلب من زوجته أن تهتم بيوسف وتحسن معاملته فقد يصبح ولدًا لهما.
وكبر يوسف وترعرع وتعلم في بيت عزيز مصر، حتى أن إمرأة العزيز بدأت تُعجب به وتهتم بأمره كثيرًا، وأخذ بها إعجابها بيوسف أن تفكر بإغرائه، وفي أحد الأيام كان العزيز خارج بيته، وبدأ الشيطان يغوي لامرأة العزيز كي تدعو يوسف لفعل الفاحشة فتزينت وأغلقت الأبواب، وأدخلت يوسف حجرتها؛ فرفض يوسف بنبل أخلاقه وحُسن تربيته، فهو لا يخون أمانة من رباه، وامتنع عنها، فكان جزاؤه السجن.
ولكن جاء بعد ذلك الفرج، وذلك حينما رأى الملك في منامه سبع بقراتٍ سمانٍ يأكلهن سبعٌ نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فطلب من حاشيته ومستشاريه أن يفسّروا هذا المنام، لكنهم يجيبونه بأنه لا معنى له؛ فهو مجرد أضغاث أحلامٍ (قالوا أضغَاثُ أحلامٍ وما نحنُ بتأويلِ الأحلامِ بعالمينَ).
وبعدها فسر يوسف رؤيا الملك وقرر الملك يُخرج يوسف من السجن بعد أن ظهرت براءته وقربه منه، وقد اختار يوسف أن يكون أمينًا على خزانة الدولة فوافق الملك على ذلك.
وبعد لقاء يوسف بإخوته توجه يعقوب وأهله إلى مصر كي يرى ولديه يوسف وأخيه، فاستقبلهم يوسف أحسن استقبالٍ، ورفع أبويه وأجلسهما على كرسيه، فانحنوا له احترامًا وتقديرًا له، وهكذا تحققت رؤيا يوسف القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هما أبواه، وبذلك انتهت قصة يوسف عليه السلام وهي تحمل معها الكثير من الدروس العظيمة في الصبر وقوة الإيمان، وأوضحت حكمة الله تعالى ولطفه بعباده الصالحين وتولية أمورهم.