لکل  إنسان في هذه الدنيا نهاية محتومة وهى الموت ، فهو الحقيقة التي سنواجهها جميعاً عندما يفنى عمرنا الذى كتبه الله لنا ، يقول الله تعالى (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) ، وعندما يموت الإنسان ، فإن أول شئ يواجهه هو وجوده فى القبر ، وهو تلك الحفرة الضيقة فى الأرض التي يُدفن فيها الموتى إلى أن يبعثهم الله للحياة الأبدية عند قيام الساعة ، وفى تلك الأثناء يدخل الميت فى حياة مؤقتة تفصل بين الحياة الدنيا والآخره تسمى الحياة البرزخية ، وفي هذه الحياة إما أن يعيش في نعيم وراحة أو يُعذّب ويعيش في ألم إلى أن يشاء الله وذلك حسب أعماله في الدنيا ، فمن الممكن أن يكون قبره كقطعة من الجنة أو كحفرة فى النار.

يكون قبر الميت إما كقطعة من الجنة والنعيم أو كحفرة في النار والعذاب

عندما يوضع الإنسان في القبر ويتولى جميع الناس عنه ، يأتي الملكان (منكر ونكير) ليسألانه ويحاسبانه في قبره عن ربّه و نبيّه ، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ” إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لاأدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين”. رواه البخاري ومسلم عن أنس عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

يختلف عذاب أو نعيم القبر من شخص لآخر، بحسب درجة تقواهم و درجة عصيانهم ، فمثلا الشخص التقي الصالح يتنعّم في القبر على الدوام ، أما الشخص الكافر يتعذّب على الدوام ، بينما إذا كان الشخص مؤمناً ولكنه ارتكب بعض المعاصي في حياته ، فإن مسألة عذابه ونعيمُه تتوقف علي مشيئة الله تعالي وإرادته ، فإما أن يعذّبه دائماً ، و إما أن يجعل عذابه مؤقتاً ثم يرحمه ، وإما أن يكون عذابه على فترات فيعذّبه تارّة ويتركه تارّة فلا يكون عذابه شديداً.

أسباب عذاب القبر :
– النميمة : تُعتبر النميمة من الآثام الكبيرة والمعاصي العظيمة في الإسلام ، ويُقصد بها نقل الحديث بهدف إيقاع الفتنه بين شخصين أو أكثر ، و يطلق علي الشخص الذى يجالس قوم ثم يقوم بالنّم عليهم ” النّمام ” ، أما الشخص الذى يتنصّت على قوم بدون معرفتهم ثم يَنُم حديثهم يطلق عليه أسم “القَتَّات” ، والله تعالى يكره النّمام والقتّات ويذمّهم في قرآنه الكريم فقال تعالى (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) ، كما جاء في صحيح البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخل الجنّة نمّام) . فالنميمة تؤدى لنشر المشاكل بين الناس ، و كره المسلم لغيره ، وهى من سمات أهل النفاق.

– عدم الاستنزاه من البول : لقد حثنا ديننا الحنيف على الطهارة ، ولذلك يعتبر التساهل في هذا الأمر خطأ عظيم و إثم كبير، بل إنه سبباً من أسباب عذاب القبر ، فقد روى عن ابي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (استنزهوا من البول، فإنّ عامّة عذاب القبر منه) ، ومعنى كلمة التنزه أى التحفظ من البول والحذر منه ، فعلى كلاً من الرجل والمرأه أن يعتنيا بهذا الأمر وإذا أصابهما شئٌ منه وجب عليهما أن يغتسلا جيداً .

– الغُلول : يُقصد بالغُلول السرقة والخيانة والكتمان من الغنيمة قبل القسمة ، وأيضاً يشتمل الغلول في معناه العام كل ما أُخذ من مواطني الدولة الإسلامية بدون وجه حق ، وقد حرّم الإسلام هذا الأمر لأن مال الغنائم لا يجوز التصرّف فيها بشكل فردى ، فهى ملكا للجميع ، قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ، ويجب على ولي الأمر تقسيم الأموال كما أمر الله ، فلا تحدث أى صراعات وخلافات ، ومن يفعل غير ذلك وينهب أموال المسلمين بغير حق ، فسيطالبه الله بها يوم القيامة.

– الكذب : إن قداعد الدين الإسلامي أساسها هو الصدق ، ولذلك نهى الإسلام عن الكذب وحذّر منه ، فهو ليس من شيم المسلم الحق ، والمقصود بالكذب هو الإخبار بالشئ بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد ، وقد جاء فى الحديث الشريف (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) ، والكذب من خصال أهل النفاق ، لذلك سمّى الله تعالى المنافقين في سورة البقرة بالكذابين حيث قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ، وجاء في صحيح مسلم : (آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).

– أكل الربا : الربا في اللغة يعني الزيادة علي الشئ ، أما في الشرع فهو يعني الزيادة المخصوصة لأحد المتعاقدين ، مع عدم وجود ما يقابلها من عوض . والربا نوعان وهما : ربا الديون أى الزيادة في الدين مقابل أن تتم الزيادة في الأجل ، و ربا البيوع وهو الخاص ببيع الأموال الربوية بعضها ببعض والأموال الربوية هي “الذّهب، والبرّ، والفضّة، والتّمر، والشّعير، والملح ” ، وقد حرّم الإسلام الربا ونهي عنه كما جاء في العديد من آيات القرآن الكريم  فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) فالإسلام دين العمل والإجتهاد ، أما القعود والإتكال على أموال الغير دون عناء هو مناقض لما جاء في الإسلام لذلك يعتبر الربا من أعظم الكبائر وعقوبته شديدة وصارمة لما فيه من أضرار تعود على الشخص المرابي سواء في الدنيا أو في الآخرة .