تعددت القصص والمواقف التي حملتها ثنايا حياة الصحابة رضوان الله عليهم ، وتجلت فيها جميعًا معاني الإسلام والأخلاق والمبادئ ، ولقد كان بعضها ساميًا ومؤثرًا حتى تناقلتها الأجيال منذ زمنهم وعبر زمن السلف الصالح وحتى وصلت إلينا
قصة إيثار الآخرة على الدنيا
دخل شاب يتيم إلى مجلس “رسول الله صلى عليه وسلم” بينما كان جالسًا مع أصحابه وألقى عليهم التحية والسلام ، وبدأ حديثة بشكوى جاره إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلا يا رسول الله “جئت أشكو إليك جاري”، فسأله النبي : “ولماذا تشكو من جارك؟”، فأجابه الشاب : “كنت أقوم بعمل سور حول حديقتي فقطعت نخلة جاري السور، فطلبت منه شرائها، ولكنه رفض أن يبيعها لي أو يتركها”، فطلب “الرسول” من الجالسين أن يذهبوا إلى جاره ويأتوا به، فلما حضر الجار ، أخبره بشكوى الشاب منه وأردف طالبًا أن يترك له النخلة أو يبيعها إلا أن الجار رفض هذا العرض
فرغّبه الرسول بأن له نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام إذا ما باع نخلته للشاب ، إلا أن الجار كان يركن إلى متاع الدنيا فرفض العرض النبوي ، فعجب الصحابة رضوان الله عليهم من موقف الرجل فأي متاع في الدنيا جميعًا يساوي نخلة من نخيل الآخرة ، وهنا تدخل الصحابي ” الدحداح سائلا الرسول صلى الله عليه وسلم عن مدى سريان عرض نخلة الجنة له إذا ما اشترى نخلة الجار وباعها للشاب ، فأجابه النبي بالإيجاب
فوجه “أبا الدحداح ” حديثه إلى جار الشاب مشوقًا له ببستانه ذو الستمائة نخلة ، فأكد له الجار مستغربا ومتسائلا عن من لا يعرف هذا البستان بقصره وبئره وسوره الشاهق ، فلما رأى أبا الدحداح هذا التحفز من الرجل قال له البستان لك مقابل أن تعطي النخلة إلى الشاب اليتيم لكي يستطيع إكمال سور حديقته ، وهنا بشّره الرسول صلى الله عليه وسلم بربح بيعه وبأن له بستان في الجنة مقابل بستانه
قصة همة أبي ذر الغفاري
لمّا خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بجيش المسلمين إلى غزوة تبوك، كان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ضمن أفراد الجيش إلا أن بعيره أبطأت في المسير ما تسبب في تأخره عن ركب المسلمين حتى بات لا يراهم فأخبر الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بتخلف أبي ذر فأجابهم النبي ( فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ) ، إلا أن أبو ذر أخذ متاعه على ظهره وانطلق ليلحق برسول الله ، فلما نزل الرسول في بعض منازله أخبره ناظر من المسلمين بأن هناك رجل يمشي وحده على الطريق ، فاستبشر الرسول صلى الله عليه وسلم وردد : كن أبا ذر ، فتأمله القوم وقالوا يا رسول الله : هو والله أبو ذر .
قصة شجاعة عمر بن الخطاب
– عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إنَّ ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدَّقت رسوله، فثاوروه، فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه، فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم…)
قصة عن إنفاق الصحابة في سبيل الله
في عهد أوائل الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق رضي الله عنه تفشى الجوع والجفاف الشديدين بين الناس ، حتى ضاق عليهم الأمر وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون الهلاك الذي أدركهم لأن السماء لم تمطر والأرض لم تنبت ، فماذا يفعلون ؟!
فأمرهم أبو بكر – رضي الله عنه – بالصبر والانصراف داعيًا المولى سبحانه ألا يأتي المساء إلا وأفرج الله عنهم الغمة
وبالفعل ما جاء آخر النهار إلا وحضرت قافلة من الجِمال لعثمان بن عفّان – رضي الله عنه – من الشّام إلى المدينة.. فلمّا وصلت خرج النّساء في استقبالها ، فوجدوا أنها ألف جَمل محملة من الطعام سمن وزيت ودقيق وتوقّفت عند باب عثمان رضي الله عنه، وما لبثت أن أنزلت أحمالها في داره حتى جاء التجار.
فسألهم عثمان رضي الله عنه : ماذا تريدون؟.
أجابه التجار : إنّك تعلم ما نريد، بِعنا من هذا الذي وصل إليك فإنّك تعرف حاجة النّساء إليه.
فرد عثمان : كم أربح على الثّمن الذي اشتريتُ به؟.
قالوا : الدّرهم درهمين.
فأردف : أعطاني غيركم زيادة على هذا.
قالوا : أربعة!
قال عثمان رضي الله عنه : أعطاني غيركم أكثر.
قال التّجار : نربحك خمسة.
ومازال عثمان يردد : أعطاني غيركم أكثر.
فاستغربوا مستفسرين : بأنه ليس في المدينة تجار غيرهم ولم يسبقهم أحد إليه ، فمن ذا الذي أعطاه أكثر مما سيعطونه هم ؟!.
قال عثمان رضي الله عنه : إن الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟.
قالوا : لا.
فأشهد الخليفة عثمان الله أنه جعل ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين ، ثم أخذ يوزع بضاعته فما بقي أحد من فقراء المدينة إلا وأخذوا ما يكفونه.