قصة أصحاب الغار هي أحد الأدبيات الاسلامية، تروي أحداث ثلاثة رجال أووا للمبيت في غار، فلما دخلوه، انحدرت عليهم صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فدعوا الله بصالح أعمالهم فانفرجت الصخرة، وخرجوا من الغار. يعد الحديث الذي حكي هذه القصة مصدرا مهما من مصادر الاستدلال لدي السلف حول مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.
قصة أصحاب الغار ودعاء المضطر
تتحدث قصة أصحاب الغار عن ثلاثة رجال قد خرجوا وابتعدوا عن ديارهم ، وبينما هم كذلك تساقطت الأمطار الغزيرة ، ولم يجدوا مكان ليحتموا به سوى غار موجود بجبل كان بالقرب منهم ؛ فدخلوه ، ولكن السيول جرفت صخرة كبيرة من أعلى الجبل والتي انحدرت حتى سدت باب الغار عليهم ؛ فوجدوا أن كل السبل قد انقطعت بهم وكل الأبواب قد أُغلقت في وجوههم ؛ حيث أنهم لا يستطيعون زحزحة هذه الصخرة ، ولن يعرف أحد بخبرهم ، ولكنهم كانوا على يقين أن باب الله مفتوح لا يُغلق وأن قدرته فوق كل قدرة.
طلب أحدهم من الآخرين التوسل إلى الله تعالى بدعوة المضطر التي يرجو فيها ربه بأكثر عمل صالح قام به لوجه الله ؛ فبدأ الأول في التوسل إلى الله ببره بوالديه في كبرهما ، وكيف أنه كان يسقيهما الحليب قبل صغاره ، وذات يوم قد تأخر في عمله ؛ فعاد إلى بيته بعد أن نام والداه ؛ فلم يستطع أن يزعجهما في منامهما ، كما كره أن يسقي صغاره الحليب قبلهما ، وظلّ طوال ليلته ممسكًا بالإناء في يده وهو في انتظار أن يستيقظ والداه ؛ بينما يبكي الصغار على قدميه يريدون الطعام حتى مطلع الفجر.
وبدأ الثاني في التوسل إلى الله بمدى خوفه منه عزّ وجل ، وكيف أنه ابتعد عن الفواحش مع مقدرته على فعلها وتيسر الأسباب لذلك ؛ حيث أنه كان يحب ابنة عمه بشدة ؛ فراودها مرارًا عن نفسها ؛ ولكنها كانت ترفض حتى أصابها أمرًا جعلها في أمس الحاجة إليه ؛ فاضطرت لقبول طلبه مقابل مبلغ من المال ، وحينما قعد منها وكأنها امرأته ؛ أضاء في قلبه الخوف من الله ؛ فابتعد عنها وترك لها المال ، وهو يرجو بذلك رحمة الله تعالى.
وقد توسل الرجل الثالث بأمانته ؛ حيث أنه قام باستئجار أجير كي يعمل له أحد الأعمال ، وحينما انتهى الأجير من عمله عرض الرجل الأجر عليه ، ولكنه تركه زاهدًا فيه ، وعلى الرغم من أن الأجير قد تركه بنفس راضية ، إلا أن هذا الرجل حفظ له أجرته التي رعاها ونمت حتى تضاعفت وأصبحت مالًا كثيرًا ، وحينما جاءه الأجير بعد مدة طويلة طالبًا أجره القديم ؛ أعطاه كل ما جمع من أجله من المال ، وقد استجاب الله تعالى لهم جميعًا ؛ حيث كانت الصخرة تتزحزح قليلًا كلما ذكر أحدهم الدعاء الخاص به ؛ حتى انفرجت الصخرة تمامًا بعد الدعاء الأخير ، وخرجوا من الغار دون أي ضرر.
قصة أصحاب الغار في السنة النبوية
لقد وردت قصة أصحاب الغار في السُنة النبوية الشريفة ؛ حيث قال الرسول صلّ الله عليه وسلم :
“انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ – شُرْب الْعَشِيّ – قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ – الصِّيَاح بِبُكَاء بسبب الجوع – عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْر فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ [ كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ ] فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي [فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا ] فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ [قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ] فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا [ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا] وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ [فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ ]
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ ( أَيْ : ثَمَنه) غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ”.
دروس مستفادة من قصة أصحاب الغار
- التوسل إلى الله وحده بالدعاء والسؤال عن يقين وإيمان
- يستفيد الإنسان من أعماله الصالحة حينما تصيبه الشدة
- جواز التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة
- تقديم حب الله على حب الشهوات والمعاصي
- الإخلاص في العمل الصالح وصدق النية وفعله ابتغاء وجه الله.