الربا لم يحرمه الإسلام فقط وإنما استنكره الكثير من المفكرين وكذلك اتفقت الكنائس على تحريمه، حتى أن لوثر كان من المتشددين جدًا في تحريمه ويعود ذلك إلى ما يترتب على التعامل بالربا من آثار سلبية سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وربما بعد الثورة الفرنسية تغيرت نظرة المجتمعات الغربية أو الكنيسة للربا أو الفوائد إلا أن الدين الإسلامي لازال متمسكًا بتحريم الربا.
تعريف الربا
لغويًا فإن كلمة ربا أي الزيادة والكثرة والارتفاع وبشكل مطلق فمثلًا نقول ربا المال ويعني ذلك زاد المال ونما، وقول تعالى ” أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ” ( النحل / آية 92 ) وربا هنا تعني كثر وزاد عددها ، واصطلاحا فإن الربا قد عرف بأنه الحصول على زيادة في المال اشياء مخصوصة دون مقابل أو دون وجه حق.
رأي الأديان والشرائع الأخرى في الربا
لم يكن الإسلام فقط ما حرم الربا بل إن كافة الشرائع والديانات السابقة أجمعت على تحريمه، فنجد في اليهودية وفي العهد القديم مجموعة من النصوص التي توضح تحريم الربا بشكل واضح منها (إذا أقرضت مالاً لأحد أبناء شعبي فلا تقف منه موقف الدائن ، ولا تطلب منه ربحاً لمالك) وهناك أيضًا ( لا تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما يقرض بربا).
أما في الإنجيل أو العهد الجيد فهو أيضًا لم يخلو من النصوص التي أوضحت تحريم الربا والتي منها (إذا أقرضتم لمن تنظرون منهم المكافأة فأي فضل يُعرَف لكم ، ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدها حتى يكون ثوابكم جزيلاً).
لم يقتصر تحريم الربا على الديانات بل إنه هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين رفضوا تلك الفكرة وأيدوا رفضهم ببعض الأبحاث والدراسات مثل أرسطو فقال فيها ( إن النقود نافعة للتبادل ، ولكنها حين تغري الناس بتكديس أرباح لا يستخدمونها ، أو تجميع ثروة عن طريق الإقراض فإن النقود تصبح قيمة غير منتجة وتساعد على إيجاد التفاوت في الثراء وغير ذلك من مظاهر الشذوذ المالي ).
أنواع الربا في الإسلام
قسم الربا في الإسلام إلى قسمين هما:
ربا النسيئة
عرف هذا النوع من الربا بربا الجاهلية كما أطلق عليه ابن القيم الجوزي الربا الجلي ويظهر هذا النوع من الربا في شكلين:
الأول أنه عندما يحين سداد قرض ما ولا يستطيع المقترض السداد فإنه تتم زيادة مبلغ الدين أو القرض.
أما الشكل الثاني فهم أنه عندما يتم الاتفاق على القرض يتم وضع زيادة مشروطة على قيمة القرض.
ربا الفضل
هو المقايضة أو البيع بمثل السلعة ولكن بالزيادة كأن يقول بأن شوال من القمح يوازي ثلاثًا من نفس نوع السلعة من القمح أيضًا ودون وجه حق في ذلك.
تحريم الربا فيالكتاب والسنة
قال تعالى نصوصُا صريحة وواضحة عن تحريم الربا ومنها قوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً” ( آل عمران / 130 )، وقال عز وجل ” وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” ( البقرة / 275 )، وكذلك قال جل وعلى ” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس” ( البقرة / 275 ).
كما ورد بالكتاب نصوص واضحة عن تحريم الربا فلم تخلو السنة من أحاديث تتحدث في نفس الإطار فقال صل الله عليه وسلم ” اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا، يا رسول الله، وما هن ؟ قال، الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”، كما روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه”.
و عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال، قال النبي صلّ الله عليه وسلّم “رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت، ما هذا؟ فقال، الذي رأيته في النهر آكل الربا”.
تحريم الربا من الناحية الاجتماعية
تحريم الربا لم يتم للربا في حد ذاته وإنما بسبب الآثار التي تترتب على تفشي الربا سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية ولعلى من ابرز الآثار الاجتماعية السلبية للربا:
عندما ينشغل الناس بالربا فإنهم غالبًا لن يبحثون عن مصادر للرزق والعمل والكسب.
الكراهية والحقد والبغض بين أفراد المجتمع الواحد.
ظهور خلل واضح في توزيع الثروة مما يجعل هناك فجوة كبيرة بين طبقات المجتمع من الأغنياء والفقراء ويعمل على زيادة البغضاء بينهما.
تدمير المجتمعات بما يسببه الربا من آثار سلبية على النفوس وعلى الاقتصاد مما يترتب عليه ظهور بعض السلبيات الاقتصادية، والتي كان أبرزها قديمًا ظهور الرق والذي لا يستبعد ظهورها ثانية في المجتمعات التي يتفشى فيها الربا.
الاستغلال إذ يتم في تلك المجتمعات التي تعتمد على الربا استغلال ذوي الحاجة بأسوء الطرق.
إلغاء الفضيلة من المجتمعات حيث يتحول كل شئ إلى جمع للمال دون وجه حق أو دون مقابل مناسب.
من الوسائل التي تسهل عمليات الاستعمار فالاستعمار لم يعد قاصرًا على الحروب وسيطرة الجيوش على البلاد، وإنما يمكن أن يتم بطرق وصور مختلفة منها الاستعمار الاقتصادي والسيطرة على أمور دولة ما عن طريق الديون والفوائد المتراكمة.