جرت وقائع هذه المناظرة العالمية الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بتاريخ : (1/ 03/ 1407هـ- 3/ 11/ 1986م)، وكان موضوعها: هل الكتاب المقدس كلمة الله، لقد تظاهر القس سواجارت بالموضوعية في مستهل كلامه بتقديم اعتذار علني للمسلمين، لما كان قد تفوه به من عبارات نابية عن الإسلام خلال تقديمه لبرنامج تلفزيوني، مؤكدا في الوقت ذاته أن مستوى فهمه للإسلام قد شهد شيئا من التطور الإيجابي، غير أنه مع ذلك، فإنه لا يقر بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
بداية ” احمد ديدات ” و القس ” جيمي سواجارت “
– وإن بداية المناظرة تبدو وكأنها تنبئ بنتيجتها الحاسمة، وبعبارة أخرى: كأن ما بعد بدايتها تحصيل حاصل، وذلك بسبب قول سواجارت: لا يوجد مسيحي واحد يمكن أن يقول: إن الرب هو الذي كتب الإنجيل، فإن الشيء الوحيد الذي أعرفه أن الرب قد كتبه هو الوصايا العشر على الحجر، لموسى.
– فكلامه هذا يحمل في طياته دعوى مع ضدها في آن واحد، وهي زعمه: أن الإنجيل وحي إلهي مع نفيه أن يكون كل محتوياته من الوحي، وهذا كاف لإسقاط دعواه بداهة، وعدم اعتبارها.
تراجم الأناجيل
وأما بخصوص تعدد روايات الإنجيل فقد غالط سواجارت، إذ انطلق يعقد مقارنة مع الفارق الكبير بين تراجم الأناجيل، وتراجم معاني القران الكريم، مدعيا في الوقت نفسه أن نص الإنجيل لا يزال كما هو، وإنما الاختلاف جاء في الترجمات، وذلك قوله: في الحقيقة، هذا غير صحيح، فلا توجد غير رواية واحدة فقط من الإنجيل، وتوجد ترجمات كثيرة، ويقول أيضا: فالمهم أن جوهر النص لم يتغير، ومهما يكن فإن القران قد ترجم كذلك إلى لغات عديدة، ونشرت ترجمة معينة للقرآن، وصار حولها جدل. وحتى يثبت ما قاله، ويقنع الحضور استنجد بأقوال بعض الأعلام من مفكري المجتمع الغربي الذين حاولوا أن يثبتوا: أن الإنجيل من عند الله، ولكن دون جدوى.
الفرق بين القرآن و الانجيل
وثمة فوارق كبيرة بين الإنجيل (الكتاب المقدس) وبين القران الكريم:
– لأن القران الكريم وحي من عند الله تعالى إلى نبيه، قطعي الثبوت من حيث الورود، معجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته.
– معصوم من الخطأ والتناقض في مضمونه.
– آياته تتوافق مع مكتشفات الحقائق العلمية الثابتة باستمرار.
– ترجمة معاني القرآن لا تعد قرآنا، وليس لها حكم القرآن.
تشكيك القس ” جيمي سواجارت ” في القرآن
– وليشكك في مضمون القرآن يقفز إلى خزعبلات قدامى معلميه المستشرقين: أن أكثر قصص القران منتحلة من الأساطير اليهودية، لا يملك القس سواجارت ضابط ما يميز به بين ما هو نص أصلي ووحي من الأناجيل وما ليس كذلك، إلا بمجرد الإيمان الأعمى والاستسلام، وفي ذلك ترجيح بغير مرجح.
– وقبل أن يخوض الشيخ ديدات غمار هذه المناقشة نراه يفتتح كلامه بآية قرآنية مشحونة بوعيد إلهي شديد للذين يفتئتون على الله ما لم ينزل به سلطانا من أجل التكسب والمتاجرة (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً).
الاختلاف بين الأناجيل
– ثم ينتقل ليوضح للحضور عقيدة الإسلام في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فيقول: “لا يكون المسلم مسلما إذا لم يؤمن بالمسيح عيسى”، يواصل ديدات كلامه ليبين الفرق بين النسخة الإنجيلية التي يتمسك بها الكاثوليك، وبين التي يعتمدها البروتستانت، وهذا الفرق هو أن ثمة أسفارا زائدة، يرى الكاثوليك أنها ليست جزءا من الإنجيل في حين تعتقد الطائفة البروتستانتية بأنها وحي كبقية النصوص الإنجيلية، وكأنه بذلك يريد أن يدل على عدم امتلاك الكاثوليك لأي برهان سليم على نبذ هذا الجزء الزائد ورفضه، فإنهم يقبلون ما يريدون وينبذون كذلك ما لا يعجبهم معتمدين على هواهم.
– وحتى يتم الاتفاق بين الطرفين على مرجع إنجيلي واحد، ليدور على محتواه النقاش ، يتفق ديدات على النسخة التي يعتمدها سواجارت، وهي نسخة الملك جيمس التي نشرت أول مرة عام 1611م بأمر من الملك.
– ومع أن هذه النسخة هي النسخة الوحيدة المعتمد عليها، فلا يمنع ذلك الشيخ ديدات أن يسدد إليها سهام النقد بسبب ما اعتراها هي الأخرى من تبديلات كثيرة من باب التنقيح، وهذا الطعن يجعل نسخة الملك أيضا غير سالمة من عملية التحريف، فكون هذه النسخة منقحة، وكلام الله لا يقبل التنقيح من أحد، إذن فليست بكلام الله.
نهاية مناظرة ” احمد ديدات ” و القس ” جيمي سواجارت ” و صداها
– ولقد ركز أكثر ما ركز عليه ديدات على مسألة اعتبار النصارى المسيح ابن الله، لكن مع هذا الاعتقاد في البنوة يشوبه ادعاء يثير الدهشة والغرابة، ألا وهو بنوة غير حاصلة عن عملية إنجاب، إشكالية، لم يستطع كبار علماء النصرانية أن يجيبوا عليها كما يقص علينا ديدات: لأن المسيح عندهم هو الابن الوحيد الذي ولده الله، وأنه مولود، وليس مخلوقا،
– يلاحظ من خلال الإجابة على هذه الاستفسارات، أن القس سواجارت قد نكل عن بعض الإجابات، كما أنه عجز عن إيراد أدلة مقنعة لبعضها مفوضا الأمر إلى مجرد الإيمان، ومما يؤخذ على سواجارت خروجه السافر عن آداب الحوار والمناظرة، سلوكياته، حين وصف من لا ينتفع بالإنجيل بالحمار، مومئا في ذلك إلى سب ديدات.
– لقد أحدثت هذه المناظرة ردود فعل طيبة، إذ سمع النصارى الأمريكيون وغيرهم حقائق جيدة، لم يسمعوها من قبل قساوستهم، ولذلك كانت قاعة المناظرة تغص بالمستمعين المشدوهين.