امتلأ التاريخ بالعديد من القضاة والحكام الذين قد تميز بعضهم بالعدل والنزاهة واتسم البعض الآخر بالظلم والجور على حقوق الرعية ، وقد كان هناك أيضًا واحدًا من القضاة العرب الذين قد تميزوا بالكياسة والفطنة المتناهية التي قد جعلته اذكى قاضي على مر التاريخ ولا زال يتم ضرب المثل به في الذكاء حتى يومنا هذا .
القاضي اياس بن معاوية
تم إجراء بحث عن القاضي اياس ومن خلال هذا البحث تبين أن اسمه بالكامل هو (إياس بن معاوية بن قرة المزني) ، وقد وُلد إياس عام 46 هـ في نجد وتحديدًا في منطقة اليمامة ، وقد انتقل مع عائلته للحياة في البصرة بالعراق ، وقد نشأ وتعلم بها وكان كثير التردد على دمشق ، وقد كان دائمًا ما يختلط بالصحابة والتابعين وينهل من علمهم .
ومنذ صغره وقد ظهرت عليه علامات الذكاء والفطنة وقد كان حريصًا على التعلم ونهل أكبر قدر من العلم والمعرفة الأمر الذي جعل الكثيرين يخضعون له لرأيه و تتلمذوا على يديه على الرغم أنه كان لا زال شابًا صغيرًا ، ولكن العرب كانوا لا يبالون بالسن قدر ما يُبالون بمستوى العلم والمعرفة والذكاء .
وقد اشتهر إياس المزني بالذكاء والقدرة على حسن التصرف وتدبير الأمور ؛ وهذا ما جعل الناس يقصدونه من كل مكان من أجل الوصول إلى حلول عقلانية راجحة إلى أي مشكلة تواجههم .
قصص ذكاء القاضي إياس
جاءت العديد من القصص التي برهنت على ذكاء وفطنة إياس ومنها ما يلي :
قام أحد الرجال بوضع بعض الأموال لدى أحد أصدقائه كوديعة ، وعندما عاد ليطلب المال ، فأنكر الثاني وجود المال لديه ، وقام صاحب المال برفع شكواه إلى القاضي إياس ، فسأل عن ما إذا كان لديه شهود ؛ فقال لا .
فسأله إياس في أي مكان دفعت له هذا المال ؟ فوصف له المكان ، قال هل كان هناك شيء يميز هذا المكان ، فقال كانت هناك شجرة كبيرة عظيمة ، فقال له إياس : إذن ؛ اذهب إلى هذا الموضع وانظر إلى الشجرة لعل الله تعالى يظهر علامة يظهر بها حقك ، وجلس من ينكر وجود المال لديه بجانب إياس ، وهنا تظاهر إياس بأنه ينشغل ببعض القضايا الأخرى ، وعلى حين غفلة انتبه إلى الرجل وسأله بشكل سريع هل ترى أن الرجل قد وصل إلى مكان الشجرة ؟ فقال الرجل : لا ؛ المكان بعيد ، وهنا قال له إياس يا عدو الله أنت شخص خائن ، وحينما انتبه الرجل إلى ما قاله أقر أنه قد أخذ المال بالفعل وأعاده إلى الرجل .
طرائف القاضي إياس
وفي إحدى القصص الأخرى الخاصة بالقاضي إياس والتي ظهر به ذكائه ونصرته دائمًا للمظلوم ، ما يلي :
كان هناك رجل معروف بالتقوى والأمانة ، ولذلك كان الناس يودعونه أموالهم ، وفي أحد الأيام قام رجل بإيداع ماله لديه وسافر متوجهًا إلى مكة المكرمة .
وعندما عاد كي يسترد ماله أنكر الرجل أنه قد أخذ منه هذا المال ، وهنا توجه صاحب الحق إلى القاضي إياس وقص عليه ما قد حدث ، وكان الحوار كما يلي :
-إياس : هل الرجل يعلم أنك سوف تشكوه لي ؟ ، المدعي : لا ، إياس : اذهب وعد بعد يومين ولا تخبر أحد بأنك قد رفعت شكوتك إليّ .
وهنا قام القاضي إياس بإرسال أحد رجاله إلى المدعى عليه كي يأتي إليه ، وجاء بالفعل الرجل إليه ، وقال :
-إياس : يوجد لدي قدر كبير جدًا من الأموال والمجوهرات وجميعها خاصة بالأيتام ، فهل يوجد لديك مكان لحفظها ؟ ، المدعى عليه : نعم ، إياس : هل يمكنك الحفاظ عليها ، المعدي عليه : نعم يمكنني ذلك ، إياس : إذًا اذهب وقم بتحضير مكان جيد وعد إلي بعد غد .
-وعندما عاد المدعي ، قال له إياس : اذهب إلى المدعى عليه واطلب مالك ؛ فإن أعطاك إياه كان خيرًا ، وإن لم يفعل ؛ فعليك أن تهدده بأنك سوف تشكوه لي ، وفعل المدعي ذلك ، وفي البداية رفض المدعى عليه رد المال ، ولكن عندما هدده برفع الأمر إلى القاضي إياس رد إليه ماله واعتذر له ، وهنا عاد صاحب المال إلى القاضي إياس ليقدم له الشكر .
-وبعد يوم عاد المدعي عليه من أجل أخذ أموال اليتامى التي طلب منه القاضي حفظها ؛ ولكن ما إن راه القاضي إياس حتى نهره ووصفه بخيانة الأمانة .