تحرص كافة دول العالم على توفير حرية الرأي لمواطنيها ولكن طبقًا لحدود وشروط معينة ، وتختلف تلك الشروط باختلاف ثقافة كل دوله وظروفها ونظامها الديني ، وبالرغم من أهمية حرية الرأي إلا أنه أحيانًا قد يستغل بعض الأشخاص حريتهم في إهانة معتقدات الآخرين بشكل غير لائق .
معنى كلمة تجديف
تجديف هي مصدر كلمة جدف ، وذكر في معجم الرائد جَدَّفَ الملاح أي سير السفينة بالمجداف ، و جَدَّفَ بالنعمة أي كفر بالنعمة ، و جَدَّفَ على الله أي كفر بنعمته وشتمه .
ما هو التجديف الديني
يعرف التجديف الديني بأنه سلوك سئ أو أسلوب غير موقر تجاه الله أو الدين ، وهي تعد قضية حساسة بالنسبة للكثيرين ، لا سيما أولئك الذين لديهم إيمان لا يتزعزع في معتقداتهم والزعماء الدينيين .
يعتبر الكثيرون أنه من الخطأ أخلاقياً إيذاء المعتقدات الدينية للآخرين ، حيث أن ذلك يؤثر على السلام والانسجام في المجتمع ويعطل القانون والنظام ، في حين يعتقد آخرون أن أي شكل من أشكال الرقابة يحد من الحريات الضرورية .
التجديف الديني وحرية الرأي في الإسلام
أحد الانتقادات ضد مفهوم التجديف هو أنه عندما يتم رفضه ، فإنه يقيد حرية التعبير ، إن حرية الكلام بدون لوم هو حق أساسي من حقوق الإنسان يجب ضمانه لمواطني كل دولة عادلة ، ومع أن حرية التعبير ضرورية لتقدم وتنمية مجتمع ، إلا أن هذه الحرية ، شأنها شأن جميع الحريات الأخرى ، ليست بلا حدود .
الحقيقة هي أن كلا من الحساسيات الدينية وحرية التعبير مهمان ويلزم حمايتهما ، لا يوجد تعارض إذا كان كلاهما يعمل ضمن حدودهما ولا ينتهك مجال عمل الآخر ، ومع ذلك ، هناك أوقات تتعارض فيها الحساسية والحرية ، وعلى الرغم من أن الإسلام يعتبر التجديف شنيعا وعدوانيا ، إلا أنه لا ينص على أي عقاب دنيوي له ؛ لأن هذا من شأنه أن يحد بشكل خطير من حرية التعبير .
يناقش هذا الموضوع ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابعة لجماعة الأحمدية الإسلامية ، في كتابه “رد الإسلام على القضايا المعاصرة ” حيث يقول : يذهب الإسلام خطوة أبعد من أي دين آخر في منح الإنسان حرية الكلام والتعبير ، يُدان التجديف على أسس أخلاقية ، بلا شك ، ولكن لا يُنص على عقوبة جسدية في الإسلام ضد التجديف على الرغم من النظرة الشائعة له في العالم المعاصر .
يسمح الإسلام بالكلام عن معتقدات شخص آخر في حالة واحدة فقط إذا كان هذا الشخص ظالم ، فيجوز للمظلوم التكلم أمام الناس عن ظلم الظالم له ، وما غير ذلك يعتبر غير أخلاقي ، وقد قال الله تعالى في سورة النساء : ” لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ” .
ويضيف ميرزا قائلاً : ” على الرغم من أن القرآن الكريم يثبط بشدة السلوك غير اللائق والحديث غير اللائق ، أو ايذاء مشاعر الآخرين ، مع أو بدون سبب ، فإن الإسلام لا يدافع عن معاقبة التجديف في هذا العالم ولا يخول هذه السلطة في أي شخص ” .
آيات من القرآن الكريم عن التجديف
– يقول الله تعالى في سورة الأنعام : ” وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” ، وفي هذه الآية نرى أن الإسلام يستنكر التجديف ويأمرنا بالاحتجاج عنه ، ولكن هذا الاحتجاج متمثل في مغادرة المجلس الذي يتم فيه إهانة تعاليم الإسلام .
– ويقول سبحانه وتعالى أيضًا في سورة الأنعام : ” وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” ، ونستشف من هذه الآية سماحة وعدل الدين الإسلامي ، فهو يمنع المسلمين من الإساءة الأصنام والآلهة الوهمية عند الوثنيين ، وذلك حتى لا يقوم الوثنيين بالرد عليهم بالتجديف في الإسلام .
– ويقول سبحانه في سورة الكهف : ” مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ” ، وفي هذه الآية يستنكر الله تعالى ما فعله النصارى لتجديفهم ضد الله تعالى بقولهم أن له ابنًا مولودًا من زوجة بشرية ، وبالرغم من فداحة الأمر إلا أنه لم يقر بعقوبة مادية لهم .