عصمة الأنبياء كما جاء عن أهل السنة والجماعة هي لزوم أداء الرسالة وتبليغها، وعصمة الله لرسوله صل الله عليه وسلم هي حفظه من كل أذى بما يخلقه اللّه من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه منذ ابتداء الرسالة، حتى وفاته صلوات الله وسلامه عليه.
بعض الأحاديث النبوية في عصمة الرسول:
روى البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسُول الله صل الله عليه وسلم غزوة قبل نجد فأدركنا رسُولُ الله صل الله عليه وسلم في وادٍ كثير العضاة، فنزل رسول الله صل الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناسُ في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسُولُ الله صل الله عليه وسلم: «إن رجلاً أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده، فقال لي من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، قال: فشام السيف، فها هو ذا جالس، ثم لم يعرض له رسول الله صل الله عليه وسلم»
وعن عصمة الرسول قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: و{َاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قالت فأخرج النبي صل اللّه عليه وسلم رأسه من القبة وقال: «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا اللّه عزَّ وجلَّ»
وقد كان النبي صل اللّه عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس. كما قال الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها كانت تحدث أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت، فقلت: ما شأنك يا رسول اللّه؟ قال: «ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة»، قالت: فبينما أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال: «من هذا؟» فقال: أنا سعد بن مالك، فقال: «ما جاء بك؟» قال: جئت لأحرسك يا رسول اللّه، قالت: فسمعت غطيط رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم في نومه.
وفيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يُعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فاجأهم منه إلا وهو ينكصُ على عقبيه، ويتقي بيديه، قال فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لو دنا مني لاختطفتهُ الملائكة عضواً عضواً»
بعض الآيات القرآنية التي وردت في عصمة الرسول:
– {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة:67].
– {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4]
– {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]
– {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة الصف: 9]
عصمة الرسول صلوات الله وسلامه عليه:
قال بن كثير ومن عصمة اللّه لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه اللّه من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش، وخلق اللّه في قلبه محبة طبيعية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً.
ثم قيض اللّه له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود، وكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده اللّه ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر، فحماه اللّه منهم، وأنزل عليه سورتين المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمّه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه اللّه به وحماه منه، ولهذا أشباه كثيرة جداً يطول ذكرها.