{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [سورة المؤمنون: 12-16]

تفسير الآيات:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ}:
يقول الله تعالى مخبرًا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون، وقال مجاهد من سلالة أي من مني آدم، وقال قتادة استُلّ آدم من طين وهو أقرب للسياق كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [سورة الروم: 20]، عن أبي موسى عن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق آدم من قضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والخبيث والطيب وبين ذلك»

تفسير {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}

: الضمير عائد على جنس الإنسان، وقرار مكين يعني الرحم معد لذلك ومهيأ له {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً}: أي صيرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة، قال عكرمة: وهي دم، {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}: وهي قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا}: يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها وقال ابن عباس: وهو عظم الصلب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب»

{فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}: أي وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه، {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ}: أي ثم نفخنا فيه الروح وصار خلقًا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا أتمت النطفة أربعة أشهر، بُعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث فذلك قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}: يعني حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال وشكل إلى شكل حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق.

مراحل خلق الجنين في السنة النبوية

عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صل الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم ليُجمع خلقه في بطن أمه في أربعين يومًا ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وهل هو شقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل لنار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها».

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «إن الله وكل بالرحم ملكًا فيقول: أي رب، نطفة أي رب علقة أي رب مضغة، فإذا أراد الله خلقها قال: يا رب ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق، والأجل؟ قال: فذلك يكتب في بطن أمه»