مهدت التحولات الاقتصادية والحركة السكانية في سودان وادي نهر النيل ، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، إلى تفتت الممالك المسيحية ، ثم قيام مملكة الفونج ، فكان أول كيان سياسي كبير في السودان اعتنق حكامه الإسلام ، واعتبره الدين الرسمي للدولة.
النشأة:
هناك اتفاق شبه تام من المؤرخين على أن قيام المملكة ، كان في مطلع القرن السادس عشر ، بالتحديد عام 1504م ، بزعامة عمارة دنفس حسب الراويات التاريخية ، والذي صار أول ملوك مملكة الفونج والعبدلاب ، تحت قيادة عبد الله جماع زعيم عرب القواسمة.
وكانت العاصمة الأولى محل البلدة المعروفة اليوم ، بأم حجارة أو أم حجر، والتي تقع عند هضبة الحبشة ، وتتميز بالمكانة الجغرافية والتجارية العظيمة بين كل من البلدان الأثيوبية ، حوض النيل العظيم ، وموانئ البحر الإريتري، ولكن بعض الإشارات التاريخية الأخرى عارضت ذلك ، ولكن الموقع في الجنوب أو الجنوب الشرقي من سنار ، وربما خارج حدود السودان .
وتقع سنار عند التقاء عدد من الطرق التجارية لأفريقيا والشرق الأقصى ومصر ، لذلك كانت صالحة للزراعة ، وتتوسطها عدد من المجاري المائية ، كالنيل الأزرق ونهر الرهد والدندر.
أصل مملكة الفونج:
الأصل من القضايا محل الخلاف بين الكثير من المؤرخين ، يرى البعض أنهم من شعبة الشلك ويستندوا إلى رأي الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس، والبعض الأخر يرون أنهم من الغرب فرعًا من فروع الأسرة الحاكمة في مملكة برنو، بجانب ذلك ، بعض آراء الرحالة الذين زاروا سنار في أوقات مبكرة أن أصل الفونج نوبي ، أنهم قد قدموا من جبال النوبة جنوب غرب السودان ، وحددوا مكانهم أنه يقع بين الرنك وملكال.
بينما هنالك روايا محلية ، أرجعت أصل مملكة الفونج للأصل الأموي ، ترى أن الفونج أتوا من الحبشة وأصلهم من سلالة عربية أموية ، هربت من وجه العباسيين ، وتشير مخطوطة الشونة إلى أصل الفونج الأموي ، وتختلف الروايات في تفاصيلها وفي اسم الأموي الهارب ، البعض قال أنه من سلالة سليمان بن عبد الملك بن مروان ، الذي دخل الحبشة وسكن فيها فترة ، ثم هاجر إلى جبال الفونج، وتزوج هناك ، وقيل أنهم سلالة عبد الملك بن مروان ، آخر ملوك بني أمية الذي هرب إلى النوبة ومنها إلى باضع.
ولكن هناك آراء أخرى بجانب هذه الآراء عن أصل مملكة الفونج، ذكرها سبولدنق، بأن الفونج من أصل نوبي (نوبة الجنوب)، قدموا من أقاصي النوبة وهم الأصل خليط من الهمج والعنع والنوبة ، ويرى أن الهمج قدموا من أقصى جنوب السودان، بالقرب من فازوغلي ، وهم سكان منطقة سوبا ، عاصمة مملكة علوة المسيحية وقد اختلطوا هؤلاء القوم، مع النوبة والعرب، وكونوا سلالة الفونج التي حكمت السودان في أوائل القرن السادس عشر الميلادي.
بالرغم من عظمة المملكة إلا أن قضية هويتهم، تظل مصدر خلاف بين المؤرخين ، وتحتاج للعديد من الدراسات الاثنوغرافية ، والآثارية ، والتاريخية ،ودراسات العوامل الوراثية ، عن طريق بصمة الحمض النووي.