{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة الأنفال: 67-68]
سبب نزول ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض
عن عمر بن الخطاب قال: لما كان من يوم بدر الذي هزم الله فيه المشركين وقتل منهم سبعون رجلًا واستشار رسول الله صل الله عليه وسلم أبا بكر وعليًا وعمر، فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من فلان –قري لعمر- فأضرب عنقه وتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان –أخيه- فيضرب عنقه حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صل الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء.
فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صل الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صل الله عليه وسلم: «للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، قد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة –لشجرة قريبة-» وأنزل الله عز وجل فيه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة الأنفال: 67-68]
تفسير الآيات
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }: عن ابن عباس: جاءت في غنائم بدر وذلك قل أن يحلها لهم، عن عبيدة عن علي قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم في أسرى يوم بدر: «إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم»، قال: فكان آخر السبعين ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة رضي الله عنه.
{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ}: قال الأعمش: سبق منه ألا يعذب أحد ممن شهد غزوة بدر، قال ابن جرير: لهذه الأمة بإحلال الغنائم ويستشهد فيه بقول رسول الله صل الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة» {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: أي الأسرى، يقول: لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.