تفسير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: «تقوى الله حق تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر»، حسب ما جاء في تفسير فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته:
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يتقوه حق تقاته، وهذه طريقة القرآن الكريم؛ فإنه يأمر الناس بالتقوى عمومًا، ويأمر أهل الإيمان بالتقوى خصوصًا، والمعنى المقصود هنا: اتقوه حق التقوى وقد فسرها سبحانه وتعالى في قوله جل وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فتقوى الله حق تقاته أن تطيعه حسب الطاقة؛ بفعل الواجبات من صلاة، وصوم، وزكاة، وحج، وجهاد، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وصدق الحديث، ونحو ذلك، وأن تدع ما حرم عليك من سائر المعاصي، كالقتل بغير الحق، وزنا وشرب المسكرات، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، والتعدي على الناس بالقول أو بالفعل، كل هذا من تقوى الله جل وعلا

والمتقي لله هو الذي يعظم حرماته، وهو الذي يعظم أمره ونهيه، وهو الذي يخلص له العبادة وحده، وهو الذي يتباعد عن معاصيه وغضبه جل وعلا، قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: «تقوى الله حق تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر».

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون:
تعني: استمروا على التقوى أي الزموها، حتى تموتوا عليها؛ فإن من سنة الله سبحانه وتعالى أن من استقام على الخير وحافظ عليه؛ رغبةً فيما عند الله، أن الله يحسن ختامه، ويعينه على الهدى والتقوى، فالزم يا عبد الله تقوى الله واستقم عليها، وأسأل ربك الثبات حتى تموت على ذلك، وإياك والتهاون بأمر الله، وإياك واقتراف المعاصي، فإن ذلك من أعظم الأسباب لسوء الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومتى فرط منك أمر يغضب الله عز وجل فبادر بالتوبة، بادر بالإصلاح والرجوع إلى الله جل وعلا بالندم، وبالإقلاع عن الذنب بالعزم الصادق ألا تعود فيه.

ما يفعله المسلم عند وقوعه بالمعصية:
يقول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، ويقول رسول الله صل الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، فكل منا قد يقع في المعصية، وقد يسرف على نفسه، ولكن يجب الإسراع إلى التوبة، ويجب الإقلاع والندم، والعزم الصادق على عدم العودة للسيئة، ومتى بادر بالتوبة وصدق في ذلك، فالله يتوب عليه، وإذا اتبعت التوبة بالإيمان الصادق والعمل الصالح والاستكثار من الخير، تاب الله عليك وبدل الله عليك مكان سيئاتك حسنات.

وقال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:70]، فهذا من جود الله وكرمه لما ذكر الشرك بالله وقتل النفس بغير حق، والزنا وما اعد الله لأهل هذه المعاصي من العقوبات العظيمة، قال بعد ذلك {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.