{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]، في هذه الآية الكريمة يوجه الله عباده إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال ويحذرهم من الأخلاق الذميمة التي تسبب الشحناء والعداوة بين المسلمين والبغضاء والفتن، فلا يليق بالمؤمن فعله، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

لماذا خاطبهم الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} على الرغم من سوء الفعل ؟
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله حينما سأل عن تفسير الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} أن الله سبحانه وتعالى خاطبهم بالإيمان؛ لأن الإيمان يحفزهم إلى الخير، والهدى ويذكرهم بإيمانهم أن يمنعهم من المعاصي، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين أمنوا، فأعرها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه».

تفسير الآية:
{لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} يعني لا يسخر رجال من رجال {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} يعني: عسى أن يكون أولئك المسخور منهم خيرًا من الساخر وأفضل، {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} يعني: عسى أن يكون أولئك المسخور بهن خيرًا من أولئك الساخرات، فقد يسخر المفضول من الفاضل ليستر نقصه، ويعمي نقصه عن الناس، {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} يعني لا يلمز بعضكم بعضًا؛ لأن نفس الإنسان كنفس أخيه المؤمن فهي شيء واحد لهذا قال الله “أنفسكم”، لما يثير من الشحناء ويسبب الاختلاف فلا يليق بالمؤمن، {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} والتنابز هو التداعي بالألقاب، كأن يقول: يا حمار أو يا فاجر، بل يدعوه بأسمائه الحسنى التي يفضلها، ولهذا قال الله بعدها: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}.

معنى هذا أن الأعمال تجعلك فاسقًا بعد إيمانك، فكيف ترضاه لنفسك أن تكون فاسقًا بعدما كنت مؤمنًا بأعمالك الخبيثة وإساءتك إلى إخوانك؟ فإن هذه الإساءات من أسباب غضب الله {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فيجب عليك الحذر، والبعد عن أسباب الفسق، وعن أسباب غضب الله، ومن لم يتب أي يصر على المعاصي ظالم لنفسه، وعليه التوبة إلى الله، فالواجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه وأن يتقي الله في أقواله وأعماله، وأن يحذر إيذاء إخوانه بألقاب، أو يلمز أو بسخرية،

حكم السخرية من الغير واللمز ؟
ويضيف سماحة الشيخ في حكم السخرية من الغير: هو ما يحرم  سواء من المفضول أو الفاضل جميعًا، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، لأنه ليس لأحد منهم أن يسخر من أخيه ويستهزئ به، فإن كان الله أعطاه فضلًا، فليحمد الله على ما أعطاه من غنى، أو حسن خلق، أو نحو ذلك، فليحمد الله؛ أما أن يسخر بالناس لفقر أو دمامة أو غير ذلك من الأسباب، فهذا لا يجوز له، بل الواجب حمد الله على ما أعطاك من الفضل، وحمد الله على ما عافاك به من الشر، وكذلك واللمز والهمز بالفعل والقول كله ممنوع لا عينه ولا بإشارته ولا بكلامه، ويجب ترك ذلك كله، لما يثير من الشحناء ويسبب الاختلاف فلا يليق بالمؤمن فعله.