{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]، في هذه الآية الكريمة يوجه الله الأمر إلى عباده المؤمنين وينهاهم أن يشتغلوا عن ذكر الله بأموالهم وأولادهم ويبين أن من يفعل ذلك فقد خسر وما اصعبها من خسارة على المسلم حين يلقى الله بكتاب خاوي بدون ذكر ولا صلاة ولا عبادة.
معنى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}
والمعنى كما جاء في كتاب حديث الصباح والمساء لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز هو: حققوا الإيمان والزموه واستقيموا عليه؛ حتى تدعوا ما حرم الله عليكم وتلتزموا بما أوجب الله عليكم، وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، أن يلزموا مقتضى الإيمان، ومقتضى الإيمان هو الامتثال للأوامر والانتهاء عن النواهي والوقوف عند الحدود التي حدها المولى سبحانه، هكذا يكون المؤمن، وهكذا يكون الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن إيمانه بالله ورسوله يقتضي منه فعل الواجب وترك المحظور، والوقوف عند الحدود التي حدها ربنا عز وجل، وبذلك يستقيم أمر الإيمان ويحصل لصاحبه الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، هكذا يكون المؤمن؛ إيمانه يوجب له الوقوف عند حدود الله، ويوجب له أداء فرائض الله، ويوجب عليه ترك محارم الله، هكذا يكون المؤمن، ولهذا يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:278]، فهو سبحانه يأمرهم بلزوم التقوى التي هي أداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند الحدود.
تفسير {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}
والذكر المقصود هنا في الآية ما شرعه الله لعباده من الطاعات من الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وغير ذلك، فكل هذا ذكر الله، وقد جاءت جميع التفاسير أن المراد من الذكر في هذه الآية هو الصلاة، والأمر عام، فإن الصلاة جزء من ذكر الله والمنهي عنه أن يشتغل المؤمن بماله أو بأولاده، أو بشيء آخر عما أوجب الله عليه من صلاة وغيرها.
تفسير {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
ويعني بها: أن من يشتغل بماله أو بولده عن حق الله {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} والخسران إذا اطلق عم الدنيا والآخرة، نعوذ بالله، فمن شغله ماله أو شغله ولده أو شغلته نفسه الأمارة بالسوء عن أداء ما أوجب الله، أو أوقعه ذلك في محارم الله فقد خسر، فإن كان كفرًا وضلالًا وخروجًا من الإسلام، صارت الخسارة كاملة، نعوذ بالله، والنهاية إلى النار والخلود فيها، نسأل الله العافية.
وإن كان الواقع من الشغل أوقعه في المعاصي دون الكفر بالله، صارت الخسارة عظيمة ولكنها دون الخسارة الكبرى التي هي الكفر، وعلى المؤمن أن يحذر الخسارتين؛ الكبرى والصغرى، وأن يبتعد عن كل ما يغضب الله عز وجل حتى يسلم من الخسارة، ويفوز بالربح الكامل، وذلك بطاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله ورسوله عنه، رزقنا الله وإياكم الهداية والتوفيق.