تمكن بعض المسلمين الأوائل بفضل الله من جمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال حفظها وجمعها وتسجيلها، وذلك حتى تكون ميراث للأجيال القادمة في المستقبل، وتكون نافعة وخير لهم في أمورهم الدينية والدنيوية، وقد جاءت هذه الأحاديث لتبين للناس كثيراً من الأمور المختلطة أو الغامضة عليهم، أو التي يصعب فهمها لتيسر لهم فهمها وتطبيقها في حياتهم اليومية، وكما كان الصحابة من أحرص الناس على جمع القرآن الكريم وتدوينه، فقد حرصوا أيضاً على جمع الأحاديث النبوية وتدوينها لتكون في متناول يد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لتبين لهم ما اختلفوا فيه في أمور دينية وشرعية.

تاريخ وفاة الإمام البخاري

 وقد توفى البخاري رحمة الله عليه  في سمرقند، في أول يوم من شهر شوال عام 256 هـ، عشية أول يوم في عيد الفطر، رحمه الله رحمة واسعة، فقد أثرى الدين الإسلامي بكتابه هذا الذي جمع الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتفع بها الناس في دينهم ودنياهم.

وقد كان الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي، وكان يُلقب بأبو عبد الله بن أبي الحسن البخاري

من أبرز علماء الحديث

الإمام البخاري، من أبرز علماء الحديث في عصره بين المسلمين السُنة، وقد جاء اسمه من المدينة التي ولد فيها وهى بخاري في خراسان، وهذه المنطقة تقع الآن في وقتنا المعاصر في أوزبكستان، وهو من مواليد يوم ثلاثة عشر من شهر شوال عام 194 هـ، وكان والده من الحافظين لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن سرعان ما توفى والده وهو في مقتبل العمر فعاش يتيم الأب في كنف والدته، وقد كان بصره ضعيفاً في صغره، وكان البخاري من صغره بارع في حفظ كتاب الله الكريم، فقد حباه الله بمهارة فائقة في الحفظ، فحرص أيضاً على حفظ الأحاديث النبوية، وكان يتمتع بالورع والزهد والتقوى والعفاف.

وقد نهل العلم من علماء مميزين أمثال: الحكم بن نافع والفضيل بن دكين وقتيبة بن سعيد وعلي بن عبد الله المديني وعبد الله بن محمد المسندي و سلمان بن حرب والكثير من العلماء الآخرين، و قد سمع الإمام البخاري للأحاديث من شيوخ عدة ناهز عددهم الألف شيخ، و كان يخوض الكثير من الرحلات في سبيل طلب العلم، ومن أجل سماع الأحاديث النبوية من راويها، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه ومالك بن أنس وغيرهم الكثير، وقد طرأت فكرة جمع الأحاديث النبوية على خاطر الإمام البخاري في مجلس من مجالس إسحق بن راهويه، و قد راودته فكرة كتاب يلخص صحيح الأحاديث النبوية، وقد أمضى حياته في جمع الأحاديث النبوية، وذلك درءاً لضياع هذه الأحاديث النبوية، و بغية المحافظة عليها وصيانتها، و البقاء عليها للأجيال القادمة من المسلمين كي ينتفعوا بها في دنياهم ودينهم، وذلك لمقاومة الفتن والبدع، و من أن يقوم البعض برواية أحاديث غير صحيحة عن الرسول، فقام بجمع ما يقارب من 600.000 حديث، وقد قام بعد ذلك بتنقيحها والتيقن من صحتها، فقام بعد ذلك باختيار 7593 حديث صحيح تقريباً، بعد أن أقصى منها ما يساوره الشك في صحتها أو عدم التيقن من أنها أحاديث صحيحة، وقد عُد بذلك أكبر مُعين لنقل الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه و سلم، و اعتبر كتابه هذا الجامع الصحيح أو (صحيح البخاري) من أكثر الكتب صحة ودقة وثقة في الأحاديث النبوية، و قد وضع في هذا الكتاب ثمرة مجهوده و تعبه على مدار 16 عاماً في رحلة عمره، و لهذا سُمي هذا العالم بأمير المؤمنين في الحديث.

و قد أخذ من علمه العديد من التلاميذ صاروا أئمة للحديث فيما بعد ومنهم: الترمذي، ومسلم بن الحجاج، وابن خزيمة ……… الخ.
وقد كان له العديد من المؤلفات والكتب منها: أشهرهم و أهمهم وهو كتاب صحيح البخاري (الجامع الصحيح)، والمسند الكبير، والفوائد، والأدب المفرد وهو يتحدث عن وجوب تأديب الإنسان والرقى بسلوكه إلى أعلى مستوى من الأخلاق الحسنة، والمبسوط، والعلل، والوحدان، وكتاب الهبة، و قد هجر الإمام البخاري بلدته بخاري إلى سمرقند، وذلك إثر حدوث مشكلات له في نهاية عمره بينه وبين أمير مدينة بخاري.

وظل يدعو بهذا الدعاء “اللهم إنه قد ضاقت علىَّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك” حتى توفاه الله رحمة الله عليه.