ليس هناك أي شك أن الميت يعرف أنه قد مات بمجرد دخوله القبر ، وذلك وفقاً لما جاء في الحديث براوية الإمام أحمد ، وغيره من حديث البراء الطويل ، وفيه عن المؤمن : قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. الحديث صححه الأناؤوط .

وفي شرح مسلم للنووي قال: قال القاضي: يحتمل أن يكون هذا الفسح له على ظاهره وأنه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقة إذا ردت إليه روحه، قال: ويحتمل أن يكون على ضرب المثل والاستعارة للرحمة والنعيم، كما يقال: سقى الله قبره، والاحتمال الأول أصح.وغيره.

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن ّرسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولّى عنه أصحابه، وإنّه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فأمّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنّه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنّةِ، فيراهما جميعاً. قال قتادَةُ وذكر لنا: أنّه يُفْسحُ في قبرِه، ثمّ رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأمّا المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرّجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ النّاسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها مَن يليِه غير الثقلين).

ما يشعر به الميت في قبره

تعد هذه المسألة من الأمور التي كانت محل نقاش العلماء واختلافهم ، فقد اختلفوا حول إمكانية سماع الموتى للأحياء وهم في قبورهم ، حيث منهم من أكد على أن الميت يمكنه سماع الأحياء ، ومنهم من نفى هذا الأمر ، ومن هذه الأقوال :

_ أكد جمهور العلماء على أن الميت يشعر بمن يزوره عند قبره ، واستدلوا على قولهم هذا بالحديث الشريف : ما ورد في الصّحيحَين: أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال عن الميت إذا تركه أهله بعدما دفنوه: (إنَّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، إنّهُ ليسمَعُ خَفقَ نِعالِهمْ إذا انصَرفوا، وفي روايةٍ: إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، وتَولّى عنهُ أصحابُهُ). وفي هذا الحديث إشارةٌ واضحةٌ ومعلومةٌ صريحةٌ أنّ الميِت بعد أن يوضَع في قبره ويُهال التّراب عليه، ثمّ يغادر أهله وأحبابه قبره، فإنّه يسمع صوت نِعالهم وهم يغادرون القبر.

_ ما ورد في حديث خِطاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لِقتلى بدر من المشركين؛ فقد ورد في الصّحيح: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا، ثمّ أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ! يا أميّةَ بنَ خلفٍ! يا عتبةَ بنَ ربيعةَ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ! أليس قد وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً، فسَمِع عُمَرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ: كيف يسمعوا وأنّى يُجيبوا وقد جِيفوا؟ قال: والذي نفسي بيدِه ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يُجيبوا، ثمّ أمر بهم فسُحِبوا، فأُلقوا في قليبِ بدرٍ) فالناظر إلى كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجد صريحاً منه قوله بسماع الموتى كلامَ الأحياء، حين قال لعُمَر: (ما أنتم أسمع لِما أقول مِنهُم)، ولكنّه نفى عنهم صفة القدرة على الردّ على ما يسمعون، فأثبت السّماع لهم ونفى الكلام عنهم.

_ ثبت أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يأمر الصّحابة بالسّلام على أهل القبور، ممّا يدلُّ على أنّهم يسمعون كلام الأحياء؛ إذ لو كانوا لا يسمعون لما أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، وإن أمر به في حال كونهم لا يسمعون كلام الأحياء لكان أمرُه لَغواً وحاشى أن يكون في أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لغوٌ أو شيءٌ بلا معنىً أو هدف.

_ أنكرت السيّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- مسألة سماع الموتى لكلام الأحياء، وقد وافقها في ذلك جماعةٌ من الحنفيّة وبعض العلماء المُعاصرين، مثل: ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وقد استدلّت السيّدة عائشة على ما ذهبت إليه بقوله تعالى:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)

وبقوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، أمّا سماع أهل القليب للنبيّ عندما خاطبهم بعد معركة بدر فيرَون أنّه معجزةٌ خاصّةٌ بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ ذلك لا يصدق على غيره من الخَلق، وأمّا حديث (يسمع خَفق نِعالهم حين يولّون عنه)، فقالوا: بأنّ هذا الأمر خاصّ بالميت عندما يوضع في القبر مباشرةً، فإنّ الرّوح تعود إليه حتّى يُحاسِبه المَلَكان.