أصبحنا نعيش في عصر استباحت فيه الحرمات ، وأتبع المسلمون فيها الشهوات ، وقاموا بالتقليد الأعمى للكثير من السلوك التي نهى عنها الإسلام وحذرنا منها ، وديننا الحنيف هو دين الخلق السامي ، فعلينا معرفة أهم ما نهانا عنه ديننا الحنيف واتباع أوامره ، فقال رسول الله _ صل الله عليه وسلم _ :” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” صدق رسول الله صل الله عليه وسلم .

 السلوكيات التي نهى عنها الإسلام

1- تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)). أخرجه البخاري رقم:(75)،والترمذي برقم:(3824)..

ومن حكمة الله في خلقه أن جعل الناس زوجين الذكر والأنثى يكمل بعضهما الآخر وجعل لكل منهما خصائص وصفات تناسب تكوينه ومهمته.

ومن تشبه الرجال بالنساء ، تقليد صوتها أو ارتداء ملابسها ويترك ماوهبه الله من القوة وغيرها ولتشبه الرجال بالنساء أمر سئ على الرجل حيث يعتاد الأنوثة بخلاف ماخلق الله له من القوة والرجولة .

ومن تشبه النساء بالرجال تقليد صوته أو لبس لباسه وغيرها ولتشبه النساء بالرجال أثراً سئ كذلك حتى إذا اعتادت أن تتشبه بالرجل تركت مافطرت عليه من النعومة والعطف والحنان.

2- القزع

والقزع هو حلق بعض الشعور وترك بعض وهذه الاخلاق كالقزح والتشبه انتشرت كثيراً وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى 3-الله عليه وسلم نهى عن القزع)أخرجه البخاري برقم: (143) ، ومسلم برقم:(2477).

3- الجلوس في الطرقات

أيضاً يدخل في ذلك الجلوس في الطرقات حيث نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات قالوا: يارسول الله ما لنا من مجالسنا حدث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )).

فإذا جلست في الطريق اعطي الطريق حقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه الحقوق كما ورد في الحديث مايلي ..

1-كف الأذى أي عدم سب من يمشي في الطريق أو أذيته بأي شكل كان .

2-وغض البصر أي عندما تمشي النساء في الطريق غض بصرك حيث تستحي النساء أن تمشي في الطريق وفيه من يجلس فيه حياءً واحتشاماً

3- ورد السلام أي عندما يمشي شخص ما ويسلم عليك رد التحية أو حيي بأحسن منها.

4- الأمر بالمعروف أي عندما تشاهد مثلاً فتيان يلعبون في الشارع وأذن المؤذن للصلاة حثهم على الصلاة وغير ذلك.

 الأخلاق المنتشرة بين عموم الناس ونهى عنها الإسلام

 1- النهي عن النجوى

قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [المجادلة: 8]

وقال الله عز وجل:﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المجادلة:10]

وقال تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:114]

ومما ذكره ابن عاشور – رحمه الله- تتضح لنا الحكمة من النهي عن هذا الخلق حيث قال: “في قوله: ﴿ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ وعلى هذا فالمقصود من الآية تربية اجتماعية دعت إليها المناسبة فإن شأن المحادثات والمحاورات أن تكون جهرة؛ لأن الصراحة من أفضل الأخلاق؛ لدلالتها على ثقة المتكلم برأيه وعلى شجاعته في إظهار ما يريد إظهاره من تفكيره فلا يصير إلى المناجاة إلا في أحوال شاذة يناسبها إخفاء الحديث، فمن يناجي في غير تلك الأحوال رمي بأن شأنه ذميم وحديثه فيما يستحيي من إظهاره كما قال صالح بن عبد القدوس: الستر دون الفاحشات ولا … يغشاك دون الخير من ستر”

ثم يذكر أن النجوى من خلق المنافقين الذين يخفون خلاف ما يظهرون، وأنها خلق أهل الريب والشبهات قائلاً: “وقد نهى الله المسلمين عن النجوى غير مرة؛ لأن التناجي كان من شأن المنافقين فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ وقال: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

وقد ظهر من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم  أن يتناجى اثنان دون ثالث أن النجوى تبعث الريبة في مقاصد المتناجين، فعلمنا من ذلك أنها لا تغلب إلا على أهل الريب والشبهات بحيث لا تصير دأباً إلا لأولئك فمن أجل ذلك نفى الله الخير عن أكثر النجوى”.
ثم يذكر-رحمه الله- مدلولات عظيمة دلت عليا ألفاظ الآية الكريمة؛ لبيان النهي عن ذلك فقال:

“ومعنى: ﴿لا خَيْرَ﴾أنه شر بناء على المتعارف في نفي الشيء أن يراد به إثبات نقيضه لعدم الاعتداد بالواسطة كقوله تعالى: ﴿َمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾ [يونس:32]
ولأن مقام التشريع إنما هو بيان الخير والشر وقد نفى الخير عن كثير من نجواهم أو متناجيهم فعلم من مفهوم الصفة أن قليلا من نجواهم فيه خير إذ لا يخلو حديث الناس من تناج فيما فيه نفع ، والاستثناء في قوله ﴿ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾على تقدير مضاف أي : إلا نجوى من أمر أو بدون تقدير إن كانت النجوى بمعنى المتناجين وهو مستثنى من ﴿كَثِيرٍ ﴾ فحصل من مفهوم الصفة ومفهوم الاستثناء قسمان من النجوى يثبت لهما الخير ومع ذلك فهما قليل من نجواهم.

أما القسم الذي أخرجته الصفة: فهو مجمل يصدق في الخارج على كل نجوى تصدر منهم فيها نفع وليس فيها ضرر كالتناجي في تشاور فيمن يصلح لمخالطة أو نكاح أو نحو ذلك”(84) .

2- النهي عن الحسد

ومن الأخلاق السيئة التي نهى عنها الإسلام الحسد، قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:109]

وقال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً [النساء:54] وقال تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق:5]

ونهى النبي-صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام”(85).

وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ” أو قال ” العشب”(86)

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : “لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافراً ثم سدد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد”(87) .

وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”(88) .

أضرار الحسد

للحسد أضرار اجتماعية وأضرار فردية، ومن أضراره الاجتماعية:

“حين يدفع الحسد الحاسدين إلى ارتكاب مركب الجريمة ينجم عنه في المجتمع شرور كبرى، منه الغيبة والنميمة والبغي والعدوان والظلم، والاتهام الباطل، وافتراء الكذب، والجور في الحكم، والسرقة والغش، والقتل وهكذا إلى كل جريمة قبيحة منكره، …… وهكذا يقطع الحسد وشائج المودات، وصلات القرابات، ويفسد الصداقات، ويولد الناس العداوات، ويفكك أفراد المجتمع، ويباعد بين الجماعات”(89).

وأما أضرار الحسد الفردية

1- إنه نوع من الاعتراض على أفعال الله تعالى، واتهام الله- جل وعلا -في حكمته العالية، والتطاول إلى مقام يجب على المؤمن أن يقف دونه موقف الأدب والرضا والتسليم، فهو يتنافى مع الإيمان ، لذلك فهو والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد، كما جاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

2- ما يمس قلب الحسود ونفسه من آلام تقض مضجعه، وتجعله مهموما مغموما، يعاني كمده، وتمزق نفسه، وحزن فؤاده، إذ تطحن أعصابه المتوترة المتصلبة آلام الحرمان والغيرة، وآلام النهد المصدود، والشره المردود، والطمع الموصود، والجماح المكبوح، والفؤاد المجروح”(90).

ومن أضرار الحسد وآثاره السيئة وعواقبه الوخيمة على الحاسد:

1- الحسرة التي تأكل قلب الحاسد حتى تصبح ألماً في جسده: فإن الحاسد يحقن في جسده الهم والغم والحقد والبغض وتمني زوال نعم الآخرين عنهم، وربما زادت هذه النعم فزاد غيظه، فهو كالنار تأكل بعضها بعضاً.

2- انخفاض منزلته في قلوب الناس وكرههم له لطيشه، ونفورهم منه حتى يصبح مبغوضاً عندهم، وقد قيل: الحسود لا يسود.

3- إسخاط الله تعالى في معارضته ومخالفة قضائه وقدره، فتمنيه لزوال النعم عدم رضا منه بقدر الله.

4-إهدار الحسنات وكسب الخطايا والآثام، فإن الحاسد غالباً ما يسعى لإزالة النعمة عن المحسود بقوله أو فعله وفي ذلك إهدار للحسنات، وكسب للسيئات، والإسلام يحرص على أن يكسب العبد الأجر، ويبتعد عن الوزر.

5- زرع العداوة بين الأصحاب والأقارب وتفكيك المجتمع المسلم، والإسلام يدعو إلى المحبة والألفة.

فهذه الحكم التي تكلمنا عنها وأشرنا إليها، إنما هي غيض من فيض، والإرشاد إلى حسن الخلق من شرع الله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، قال سبحانه وتعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]

فبالتشريع الإلهي يصلح أمر الدنيا والآخرة، وعلم البشر قاصر ومحدود، والله قد أحاط بكل شيءٍ علما، وهو الخالق سبحانه يعلم ما يصلح الخلق، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، فهو العليم الحكيم، وهو ولي الهداية والتوفيق.