التوكل في اللغة مشتق من الوكالة ويقال : وكَّلَ أمره إلى فلان ؛ أي فوضه إليه واعتمد عليه فيه . وهو عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده ، قال تعالى : (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )) (الطلاق: من الآية3) ، وقال أيضاً : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) (آل عمران: من الآية159) ، وقال أيضاً : (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )) (الزمر: من الآية36 ) ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً ، وتعود بطاناً )) – رواه الترمذي – أي تخرج الطيور جائعة وتعود شبعى ، فالله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أرزاقهم في هذه الدنيا وضمنها لهم ، وليس معنى هذا أن نقعد ونتقاعس عن العمل ، وننتظر ما قدره الله لنا من أرزاق لأننا لو فعلنا ذلك لن نكون متوكلين ، بل نصبح متواكلين فالسماء لا تمطر ذهباً .
رسائل في التوكل على الله
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قال : بسم الله توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله . فيقال له حينئذ : كُفيت ووُقيت وتنحى له الشيطان )) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب والبيهقي والسيوطي .
لقد سُئل حمدون القصار عن التوكل فقال : (( إن كان لك عشرة آلاف درهم ، وعليك دانق دين ، لم تأمن أن تموت ويبقى دينك في عنقك ولو كان عليك عشرة آلاف درهم من غير أن تترك لها وفاء ، لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك )) .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت ، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون )) رواه البخاري ومسلم .
وعن الأوزاعي قال : كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال ، وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك )) أخرجه أو نعيم في حلية الأولياء .
وذكر أبو قسيم قال : كنت عند ابن شُبرمة فقال رجل : ألا أحدثكم بحديث بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن شبرمة : هات ، رب حديث حسن جئت به . قال : ” أربع لا يعطيهن الله إلا من أحب ” . قال ابن شبرمة : وماهن ؟ قال : (( الصمت وهو اول العبادة ، والتوكل على الله والتواضع والزهد في الدنيا )) قال الحاكم حديث صحيح .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله )) أخرجه الحاكم والبيهقي .
عن سعيد بن المسيب قال : التقى عبد الله بن سلام وسلمان فقال أحدهما لصاحبه : إن مت قبلي فالقني ، فأخبرني من ربك ، وإن مت قبلك لقيتك فأخبرتك . فقال أحدهما للآخر : أو تلقى الأموات الأحياء ؟ ، قال : نعم ، أرواحهم تذهب في الجنة حيث شاءت . قال : فمات فلان فلقيه في المنام ، فقال : ” توكل وأبشر ، فلم أر مثل التوكل قط ” ذكره السيوطي في شرح الصدور.
عن ابن شوذب قال : ” لما ألقي يوسف في الجُبِّ قال : ” حسبي الله ونعم الوكيل ” ، وكان الماء آجناً (أي متعكر) فصفا ، وكان مالحاً فعذب ” .
قال عبد الله ابن أبي الدنيا : ” بلغني عن بعض الحكماء قال : التوكل على ثلاث درج ، أولاها : ترك الشكاية والثانية الرضى والثالثة المحبة ، فترك الشكاية درجة الصبر والرضى سكون القلب بما قسم الله له وهي أرفع من الأولى ، والمحبة أن يكون حبه لما يصنع الله به ، فالأولى للزاهدين والثانية للصادقين والثالثة للمرسلين ” .
عن يحيي بن أبي كثير قال : ” مكتوب في التوراة :” ملعون من كانت ثقته بإنسان مثله ” ذكره أبي نعيم في الحلية .
عن خليد العصري أنه قال : ” ما من عبد ألجأته فأخذ بأمانته توكلاً على ربه ، ثم أنفقه على أهله في غير إسراف فأدركه الموت ولم يقضه ، إلا قال الله تبارك وتعالى لملائكته : (( عبدي هذا ألجأته حاجة فأخذ بأمانته توكلاً عليَّ وثقة بي فأنفقه على أهله في غير سرف ، أشهدكم أني قد قضيت عنه دينه وأرضيت هذا من حقه )) .
عن عون بن عبد الله قال : بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزبير مكتئباً معه شئ ينكث به في الأرض ، إذا رفع له رأسه فسبح له صاحبه منحنياً ، فقال له : يا هذا ، مالي أراك مكتئباً حزيناً ؟ قال : فكأنه ازدراه ، فقال : لأي شيء ؟ فقال صاحب المسحاة : أللدنيا ، فإن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والآخرة أجل صادق فيها ملك قادر يفصل بين الحق والباطل ، حتى ذكر أنها مفاصل كمفاصل اللحم ، من أخطأ شيئاً أخطأ الحق . فلما سمع ذلك منه كأنه أعجبه ، قال : فقال لما فيه المسلمون . قال : فإن الله سينجيك بشفقتك على المسلمين ، وسل فمن ذا الذي سأل فلم يعطه ، ودعاه فلم يجبه وتوكل عليه فلم يكفه ، وأوثق به فلم ينجه . قال : فعلقت الدعاء اللهم سلمني ، وسلم مني فتجلت ولم تصب منه أحداً .