علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي، شاعر كبير ولد في 21 ديسمبر عام 1910، وذلك في جزيرة سوروبايا بإندونيسيا، أبواه من منطقة حضر موت، والتي سافر إليها ونشأ بها باكثير منذ أن كان بعمر 10 سنوات .
علي أحمد باكثير
بدأ باكثير ينظم الشعر حينما كان ابن الثالثة عشر، وقبل أن يبلغ العشرين من عمره كان يعمل مدرسا في مدرسة النهضة العلمية والتي تولى إدارتها، وقد سافر باكثير واستقر في مصر منذ عام 1934، وحصل منها على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وقد ألف العديد من المسرحيات والدواوين الشعرية، ومن أشهر أعماله : وا إسلاماه، الثائر الأحمر، سر شهر زاد، وغيرهم .
أجمل قصائد الشاعر علي أحمد باكثير
1- قصيدة صوت المتنبي
من الملأ العلوي من عالم الخلدِ أهل عليكم بالتحيات والحمد
تقحمتُ حُجب الغيب حتى أتيتكم لأجزيكم عن بعض إحسانكم عندي
قطعتُ حدود الأين في متطاولٍ من اللوح يفنى البعد فيه من البعد
كأن الفضاء اللانهائي سائرٌ على كرةٍ لا حد فيها سوى حدي
إذا ما ركضت السير في فلواته تشابه ما قبلي عليّ وما بعدي
إلى أن تجاوزت النجوم جواذباً إليهن عطفي غير أن لسن من قصدي
يناشدني – والنور ثمّ – لسانها لأنشدها شعري وأصفيها ودي
ولو لم تكن مصرٌ وجلّق الهوى وبغداد لم أبخل عليها بما عندي
معانٍ قضى فيها الشباب مآربي وسلّت بها كبرى العزائم إفرندي
وأمليتُ فيها الدهر غرّ قصائدي فغنى بها الأجيال في السهل والنجد
قطعتُ حدود الأين حتى أتيتكم فمن لمتى ما بيننا قام كالسد
أجل، ألف عامٍ حال بيني وبينكم فلولا سبقتم أو تأخر بي عهدي
سعدتُ بلقياكم وفزتم برؤيتي لو أن يد المقدار ألغته في العدّ
ألا فتزحزح يا زمان لشاعرٍ يريد فلا تقوى الجبال على صدي
أغرّك أنّ الأرض قد شربت دمي ؟ وأنّ عيون الشهب قد شهدت لحدي؟
رويدك قد خلدتُ في الشعر محضه ولم يبق منه للتراب سوى الدُردي
فها هو في الأجيال ينساب صافياً إلى ابنٍ .. إلى ابنٍ .. من أبيه .. من الجد
يزيد على الأيام كالخمر سورةً لو أن حُميا الخمر تهدي كما يهدي
أنا الخالد الساري بأعصاب شعبه وما شعبه بالنزر أو ضرِع الخدّ .
2- قصيدة أمس واليوم
يا حبيبي برد العقد ولم يبرد على الرشف صداي
وانقضى أو أوشك الليل ولمَّا أقضِ من فيك مُناي
أه ما أحلاكَ في قلبي وعيني وذراعي ولساني
ليتني أفنى بعينيك فأحيا في نعيمٍ غير فانِ
لو عبرنا الدهر ضماً واعتناقاً لا أرى يُشفى غليلي
يا حياتي ساعةٌ تعدل منك الدهر ليست بالقليلِ
أنت دنياي وديني ومعادي وهداي
ليت شعري عنك يا روحي أنفسي أنت أم أنت سواي؟
يا حياة الروح هل صاغك ربي من فؤادي وهواه
أم براني الجسدَ الهامدَ مَن أودع لي فيك الحياة ؟
ذاك أو هذا فإنّا مهجةٌ في جسدين
فإذا نحنُ اعتنقنا فمُصلٍّ ضم لله اليدين
واليوم
انطوى العهدُ وأُفردتُ لأشقى عائشاً في نصفِ روحِ
ليته نصفٌ سليمٌ غير ممنيٍّ بأشتاتِ الجروحِ
فلأمتْ بعدكَ كي ألقاكَ أو فلأحيَ بالذكرى لحين
وعزائي في يقين أنني ألقاكَ في دار اليقينْ .
3- قصيدة ربيع
يا من تفتَّح كالربيع لناظري فلمحتُ فيه شقائقاً وبهارا
والفُلَّ يشرقُ بالضياءِ وبالشَّذا والنرجسَ النعسان والنُّوَّارا
والوردَ مخموراً يتمتم : ويحكم هيا اغنموا مُتع الحياةِ قصارا
متباين الألوانِ ألَّفَ بينها ذوق يبلبلُ سرُّه الأفكارا
تلك المفاتنُ ينتهين لغايةٍ ولقد يريبك أنها تتبارى
أمثولةُ الحسنِ البديعِ مرامُها تطوى لها المضمارَ فالمضمارا
فكأنَّها أحزابُ شعبٍ راشدٍ كلٌّ يجمِّع حوله الأنصارا
يتنافسون، وإنَّما مرماهم تحقيق آمال البلادِ كبارا
ما للجمالِ وللسياسة ؟ إنَّه أهدى إلى قصد السبيلِ منارا
هو عالم ننساب في أطيافه ونعانق الأنداء والأنوارا
من ضلَّ في ساحاته كمن اهتدى وكمن صحا من لا يفيق خُمارا .
4- قصيدة ما هو الكون ؟
خلق الله للجمال قلوباً اجتباها من صفوة الشعراءِ
سكب النور في قلوبهم السودِ فعادت تموج بالأضواءِ
واستحالت مرائياً يعكس الكونُ عليها ما عنده من مراءِ
واقفاً ناظراً محياه فيها في غرورٍ كوقفة الحسناءِ
ما هو الكون غير ذاك الضعيف الحول يسطو به على الأقوياءِ ؟
ما هو الكون غير ذاك الي يشفى به الداء وهو عين الداءِ ؟
غير ذاك الذي عليه تلاقى ضربات السراء والضراءِ
غير ذاك الذي به تعثر الدنيا على مرطها من الخيلاءِ
غير ذاك الذي به الحب والبغضاءُ بين الأحباب والأعداءِ
غير ذاك الذي به امتحن الله قلوب العصاةِ والأتقياءِ
غير ذاك الذي به يلوذ النسـلُ ويغرَى الآباءُ بالأبناءِ
غير ذاك الذي به يصير الكونُ نسيماً على بساطِ اللقاءِ
غير ذاك الذي تجمع فيه ما وعى حسنه من الأسماءِ
غير ذاك الذي إليه ومنه كل ما في الوجود من أشياءِ
ما هو الكون غير فتنة حواءَ وما في حواءَ من إغراءِ ؟
ليت شعري أكان للكون معنى لو أتى آدمٌ بلا حواءِ ؟