الثلاثة الذين خلفوا، يقول المولى عز وجل في سورة التوبة “وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم”، ومن المعروف أن سورة التوبة هي الصورة الوحيدة التي أتت بالمصحف الشريف بدون بسملة، ونزلت آياتها في الثلاثة الذين لم يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك، وفي المنافقين المتظاهرين بالإيمان.

من هم الصحابة الثلاثة

تخلف هؤلاء الصحابة عن الخروج للجهاد مع رسول الله بدون عذر مقبول ولكنه الكسل فقط، ولم يحاول أحد منهم الكذب على رسول الله بأن يتحجج بالمرض أو غيره من الأسباب التي تحول بين خروجه للجهاد، ولكنهم على الرغم من خصام الناس كانوا صادقين في قولهم، ولولا الصدق والتوبة لما نجوا من غضب المولى عز وجل ورسوله.

وهؤلاء الصحابة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أبي أمية، ويقول الصحابي الأول متحدثاً عن تلك المحنة التي مروا بها ((غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين طابت الثمار فتجهز النبي وتجهز المسلمون معه، ولم أتجهز وقلت في نفسي سألحق بهم، وعندما خرجوا للجهاد ظننت أنني سأدركهم.

ولم يسعفني الوقت وحينها وجدت نفسي وحدي في المدينة وليس معي إلا أصحاب الأعذار ورجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أي أنه مشهور بالنفاق، أو رجلاً ممن عذر اله من الضعفاء، فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد راجعاً من تبوك حضرني الفزع، فجعلت أتذكر الكذب وأقول: بما أخرج من سخط رسول الله؟، واستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما دنا رسول الله من المدينة، زال عني الباطل وعلمت أنه لا أنجو منه إلا بالصدق فأجمعت أن أصدقه)).

أسباب غزوة تبوك

كانت غزوة تبوك في عام 9 هجرية عندما فكر الروم في ضرب الإسلام والمسلمين، وكانت من المعارك القوية والصعبة على المسلمين لأن الروم كانت تبسط نفوذها على العديد من القارات، ولكن خرج مع رسول الله أصحاب العقيدة السليمة والقلب الشجاع والنفس المطمئنة متحديين الظروف الصعبة بكل ما يملكوا من قوة الإيمان، وكونوا جيش العسرة.

وكان عثمان بن عفان أول من بدأ في تجهيز الجيش وله الفضل الكبير في هذا فكان جيش لا مثيل له، وقال أحد المنافقين وهو الجد بن قيس وقال لرسول الله: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني؟، إني أخشن إن رأيت الروم ألا أصبر، فاعرض عنه نبي الله وقال فيه المولى عز وجل (( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني أل في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)).

موقف رسول الله من الذين خلفوا

عند عودة رسول الله من غزوة تبوك وذهابه إلى المسجد صلى ركعتين وجلوس بالناس، ذهب إليه المخلفون الذين بلغ عددهم نحو 80 رجل ليحلفوا ويعتذروا حتى يقبل منهم نبي الله ويستغفر لهم، وجاء كعب بن مالك وسلم على رسول الله وتبسم فقال له رسول الله ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقال كعب يا رسول الله والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لخرجت من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً.

ولكني والله لقد علمت أن حديثك اليوم حديث كذب ترضى به علي، ليوشكن الله أن يسخطك على، ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه، وإني لأرجو فيه عفو الله عني والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال رسول الله أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك.

ولم يفعل ما فعله كعب سوى مرارة وهلال والباقي كذبوا على رسول الله، وبدأ الناس في خصامهم وبدأت الأرض في نكرانهم، ولكن كعب كان يخرج من بيته ليصلي مع الناس ويتسوق ولا أحد يكلمه، وهلال ومرارة مكثوا في بيتهم، وبعد مرور 40 يوم أمرهم رسول الله باعتزال نسائهم، وبعد مرور 10 أيام إضافية جاء الفرج من المولى عز وجل.

إذ نزلت فيهم الآية الكريمة التي ذكرتها منذ قليل، وفرحوا الثلاثة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ولكنهم عند العودة إلى ربهم وإدراكهم أنه لا أحد سوف يحل المشكلة ويغفر لهم، تحدثوا الصدق مع رسول الله لأنه المخرج بسلامة وسبب في عفو المولى.

فوائد قصة الثلاثة الذين خلفوا

الصدق هدى الثلاثة للقول الحق بدون كذب لأنهم عالمين أنه لا مفر من الله إلا لله، لم يحقق كعب في الذهاب مع الكفار الذين هاجروا وخصوصاً أنه كان يتعب من الخصام والمقاطعة، تم تنفيذ أوامر رسول الله صلى اله عليه وسلم وخاصة عندما أمرهم باعتزال نسائهم، وأخيراً كان عليهم التوبة الصادقة لان استنفار القائد لابد وان يتم تنفيذه.