قال تعالى في سورة في النجم في الآية الثالثة واربعين ” وأنه هو أضحك وأبكى ، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة .
تفسير قول الله ” وأنه هو أضحك وأبكى ” :
– تفسير القرطبي : فسر الطبري قوله تعالى ” وأنه هو أضحك وأبكى “، حيث قيل عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا والله ما قال رسول الله قط : إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال : إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى وما تزر وازرة وزر أخرى، وقيل أيضا عن عائشة أنها قالت : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون ، فقال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فنزل عليه جبريل فقال : يا محمد ! إن الله يقول لك : وأنه هو أضحك وأبكى . فرجع إليهم فقال : ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال : ايت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول : هو أضحك وأبكى أي قضى أسباب الضحك والبكاء .
قال عطاء بن أبي مسلم في الآية الكريمة : يعني أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء، وهناك من سئل عمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ! والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي .
وقد قال الحسن : أضحك الله أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك : أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر، وقال ذو النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته، وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته، وقال سهل بن عبد الله : أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط .
قال محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وقال بسام بن عبد الله : أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم . وأنشد : السن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق يا رب باك بعين لا دموع لها، ورب ضاحك سن ما به رمق، ويقال أن الله خص الانسان بالضحك والبكاء فلا يوجد من يضحك ويبكي غير الانسان، وقد قال يوسف بن الحسين : سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة ؟ فقال : ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم .
– تفسير ابن عاشور : فسر ابن عاشور قوله تعالى ” وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى “، أن الله تعالى هو من يدخل السرور في نفس الانسان، والبكاء والحزن، ويعتبر الضحك والبكاء أحد خواص الإِنسان التي تدل على الانفعال العظيم في النفس، لأن لا يوجد كائن حي يستطيع الضحك والبكاء غير الانسان وقد قال النابغة : بكاء حماقة تدعو هَديلا … مطوقة على فنن تغني.
ولا يخلو الإِنسان من حالتي الحزن أو السرور لأنه إذا لم يكن في حالة حزن فإنه يكون في حالة سرور، لأن الله تعالى خلق السرور والفرح ملازماً للإِنسان حتى يسبب سلامة لمزاجه وإدراكه.
وقد تم إسناد الإِضحاك والإِبكاء إلى قدرة الله تعالى لأنه هو الذي خالق قدرة الضحك والبكاء في الإِنسان، لأنه هو من خلق الطبائع التي تجلب أسباب الضحك وأسباب البكاء التي تؤدي إلى سرور وإلى حزن .
والغرض من ذلك إثبات انفراد الله تعالى بتصرفات الإِنسان في الدنيا وما يجده الناس في أنفسهم من أسباب الضحك والبكاء، وأن الله تعالى أضحك وأبكى في الدنيا، ولا يوجد علاقة لهذا بالسرور أو الحزن في الآخرة .
– تفسير ابن كثير : فسر ابن كثير قوله تعالى ” أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ “، أي أن الله تعالى خلق ذلك السلوك في الانسان، فإن الضحك والبكاء سلوكان يتفرد به البشر عن باقي المخلوقات، ولكل منهما أسباب مختلفة.