إن أول شخص في الإسلام أطلق عليه لقب وزير كان من دعاة دولة بني العباس ويدعى أبو سلمة حفص بن سلمان الكوفي المعروف بالخلال طبقًا لما ذكره أهل التاريخ ومنهم صاحب الوافي في الوفيات .

نشأة وحياة أبي سلمة

نشأ أبو سلمة بالكوفة وقد كان تاجر خل لذلك عرف بلقب الخلال ، وربما يكون اكتسب ذلك اللقب من سكناه بدرب الخلالين بالكوفة ، وقد ورد في ” سير أعلام النبلاء ” أنه كان صيرفيًا للذهبي ، وقد كان لعمله في التجارة دورًا كبيرًا في تيسير حياته وحصوله على المال والمكانة الاجتماعية المرموقة  .

وقد تم اختياره ليكون أحد الدعاة السريين للدعوة العباسية ، ولم يكن أبو سلمة داعيًا عاديًا ، حيث استخلفة ” بكير بن ماهان ” ليكون داعيًا للكوفة من بعده ، وقام بكتابة ذلك إلى محمد بن على بن عبد الله بن العباس ، فوافق وأصبح أبو سلمة يتولى أمر الدعوة بعد وفاة بكير بن ماهان .

تمتع أبو سلمة بقدرة هائلة على الإقناع ، كما أنه كان سياسيًا محنكًا وامتلك موهبة إدارية متميزة  ، وقد جعلته هذه الصفات يتمكن في مهمته ضد الحكم الأموي ، وقد أنفق أبو سلمة الكثير من الأموال في سبيل الدعوة العباسية ، وكان يفد إلى الحميمة في أرض الشراة بأطراف الشام لحمل كتب ابراهيم بن محمد المعروف بالإمام إلى النقباء بخراسان .

تولي أبي سلمة منصب الوزارة

عند مقتل إبراهيم الإمام في سجنه على يد الأمويين خلال عصر الخليفة مروان ، تخوّف أخواه أبو جعفر المنصور وأبو العباس السفاح على نفسيهما فقاما بالخروج من الحميمة هربًا إلى العراق ، وكان برفقتهما بعض رجالات العباسيين ، وعند وصولهم للكوفة نزلوا على أبي سلمة فأخفاهم في أحد دور الكوفة وهو دار الوليد بن سعد مولي بني هاشم .

ظل أبو سلمة كاتمًا لأمرهم لحوالي أربعين ليلة ، وعندما استقام الأمر لأبي العباس السفاح قام بتعيين أبي سلمة بمنصب الوزارة ، وبذلك أصبح الخلال أول من تقلد منصب الوزارة بالإسلام ، فهذا المنصب لم يعرفه الأمويين ، فقد اعتقدوا بأن الخليفة ليس في حاجة إلى مؤازره ، وبالطبع لم يكن هذا المنصب موجودًا أيام الخلفاء الراشدين .

اغتيال أبي سلمة

كان أبو سلمة يسمر كل ليلة عند السفاح أثناء وجوده في الأنبار ، وقد كان الخليفة يحب حديثه لما فيه من إمتاع وأدب ، ولأنه كان ذي علم في السياسة والتدبير ، وقد استمر الأمر على هذا الحال لمدة أربعة أشهر ، وبسبب ذلك فقد زاد حسّاد أبي سلمة وحاولوا التخلص منه والنيل منه عند السفاح إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك ، وفي إحدى الليالي أثناء عودة أبي سلمة إلى بيته وثب عليه مجموعة من الأشخاص كانوا قد كمنوا له في الطريق وقاموا بتقطيعه بسيوفهم .

يرى البعض أن أبا مسلم الخراساني كان وراء عملية اغتيال أبي سلمة ، بينما يعتقد آخرون أن السفاح قد توهم في أبي سلمة الميل لآل علي أو أنه يوجد من نقل له مثل هذه المعلومات وأحيانًا يميل البعض للاعتقاد بأن المنصور قد أسهم في تحريض السفاح على أبي سلمة ، ومع ذلك فلا يزال موقف السفاح تجاه مقتل أبي سلمة غامضًا .

في حين يرد على لسان أبي مسلم الخراساني عندما أراد النيل منه قول السفاح : ” رجل قد بذل نفسه وماله لنا ” ، بينما يرد في ” البداية والنهاية ” لابن الكثير عندما وصل خبر مقتل أبي سلمة إلى السفاح أنه قال : ” لى أي شيء منه نأسف كان يقال له وزير آل محمد… إلى النار فليذهب ومن كان مثله ” .

ولكن يبقى أمر تغيير ولائه أمرًا مشكوكًا فيه ، والدليل على ذلك أنه قد حاول أن يتصل بالإمام جعفر الصادق ولكن لم يرض الصادق بذلك ، وعندما تم سؤاله عن سبب الرفض فقال : ” الي لأبي سلمة وهو شيعة لغيري ” ، وعلى كل حال فمهما يكن الأمر فلا شك أنه كان للخلال دورًا عظيمًا في إنجاح الدعوة العباسية ، وقد كان لوزراء الخلفاء العباسيين في عصر الرشيد والمأمون نفس هذا المصير .