اكتشاف ما بداخل الإنسان جاء من قبل مجهودات أعظم العلماء والأطباء المسلمين الذين وصلوا إلى أدق التفاصيل في جسم الإنسان وسبقوا الغرب في كل المجالات العلمية فلهم قامة عالية جدا ، ولكن هناك من يحاول أن ينسب تلك الإكتشافات لنفسه ، فإكتشاف الدورة الدموية جاء على يد العالم والطبيب ابن النفيس الذي قدم كل ما في وسعه من أجل الوصول إلى هذا الإكتشاف وجاء من بعده علماء أخرون قد أكملوا ما قد بدأه ابن النفيس وليس هم من اكتشفوا الدورة الدموية والدليل على ذلك أن الغرب أنفسهم ظلوا اعتمادهم على نظرية ابن النفيس حتى ظهور نظرية لويليام هارفي لإكتشافه الدورة الدموية الكبرى .
مولده ونشأة ابن النفيس : ولد ابن النفيس في دمشق عام 607هـ ، كان من قبيلة قريش من بني مخزوم من الخوالد وأصله من بلده تدعى قريشية قرب دمشق ولذلك فهو يلقب بالقرشي ، تعلم ابن النفيس في مدارس ومجالس العلماء في دمشق ثم تعلم في البيمارستان النوري بدمشق .
درس ابن النفس الطب وتتلمذ على يد مؤرخ الطب المشهور ابن أصيبعة صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، ثم درس الفقة الشافعي ، ودرس اللغة والمنطق والأدب ، ودرس أيضا الفلسفة واهتم بإعمال العقل في تفسير كل شئ حتى تفسير نصوص القرآن والحديث والوحي .
انتقل ابن النفيس من دمشق إلى القاهرة بين عامي 633هـ و 636هـ ، وعمل في المستشفى الناصري التي أنشأها السلطان قلاوون ثم عين رئيسا للأطباء ، حتى أصبح الطبيب الخاص للسلطان الظاهر بيبرس ، لم يهتم ابن النفيس فقد بالطب بل كان له مجلسا في داره يحضره الوجهاء والأطباء حتى أصبح من كبار علماء عصره في اللغة والفلسفة والفقة والحديث .
إسهاماته العلمية :
– قام ابن النفيس بنشر كتابه ( شرح تشريح قانون ابن سينا ) هذا الكتاب والذي يعد أكثر الكتب شهرة من موسوعة ابن النفيس والذي يضم الكثير من الإكتشافات التشريحية الجديدة وخاصة نظريته حول الدورة الدموية الصغرى ، وتناول أيضا الكتاب الشرح المفصل لعلم التشريح وعلم الأمراض وعلم وظائف الأعضاء ، وصحح الكثير من نظريات ابن سينا .
– نشر كتاب آخر بعنوان ( الشامل في الصناعة الطبية ) الذي كان موسوعة طبية هائلة حتى أنه حل محل قانون ابن سينا في العصور الوسطى ، حتى أن المؤرخين وصفوه بإبن سينا الثاني .
– نشر ابن النفيس كتاب ( شرح الأدوية المركبة ) وذلك ليعقب على الجزء الأخير من قانون ابن سينا ، ولقى هذا الكتاب اهتماما بالغا من قبل الجميع حتى أن أندريا ألباجو قد قام بترجمته إلى اللاتينية ونشرت منه نسخة في البندقية ومن هذه النسخة استفاد ويليام هارفي في الوصول إلى الدورة الدموية الكبرى .
– لم يخش ابن النفيس من تصويب ما وجده من أخطاء في كتب ابن سينا أو جالينوس بل صوبها ، ولكن للأسف فقدت العديد من مؤلفات ابن النفيس عقب سقوط بغداد مثله مثل باقة من أعظم العلماء المسلمين الذين كرسوا حياتهم في الكشف العلمي والطبي .
– كتاب ( شرح فصول بقراط ) ومتواجد منه نشخة في مكتبة برلين وجوتا وإلسفورد وباريس ومكتبة الإسكوريال ، وطبع منه أيضا في إيران .
– كتاب ( الموجز في الطب ) يشبه هذا الكتاب كتاب ( الحاوي ) لأبي بكر الرازي فهو كتاب موسوعي في الطب. .
– كتاب ( الرماد ) و ( شرح كتاب الأوبئة لأبقراط ) .
– كتاب ( شرح مستئل حنين بن اسحاق ) .
– كتاب ( تفسير العلل وأسباب الأمراض ) .
– كتاب ( شرح الهداية في الطب ) .
كما كان لابن النفيس كتب أخرى غير مجال الطب ولكن كان مجالها اللغة والأدب والفلسفة والمنطق ومنها :
– كتاب ( طريق الفصاحة ) في اللغة .
– كتاب ( شرح كتاب التنبيه ) لأبي اسحاق الشيرازي .
– كتاب ( شرح الإرشادات ) لابن سينا .
– كتاب ( الرسالة الكاملية ) عن سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
– كتاب ( مختصر في علم أصول الحديث ) .
– كتاب ( شرح كتاب الشفاء لابن سينا ) وهو كتاب شامل المنطق والطبيعة والفلك والحساب والعلوم الإلهية .
اكتشاف الدورة الدموية الصغرى : يعد هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات على جه الإطلاق لابن النفيس حيث قال ( أن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل حيث يخرج من البطين الأيمن إلى الرئتين حيث يمتزج بالهواء ثم إلى البطين الأيسر ) .
فالوصول إلى هذا الاكتشاف أمر مهم جدا في حين أن السائد في هذا الوقت هو أن الدم يولد في الكبد وينتقل إلى البطين الأيمن للقلب ثم يسير إلى باقي العروق في كل أعضاء الجسم .
أمر الوصول إلى الدورة الدموية الصغرى ظل غير معروف إلى أن عثر التطاوي أثناء دراسته للطب العربي على مخطوطة بعنوان شرح تشريح القانون في مكتبة برلين حتى أعد رسالة الدكتوراه وموضوعها الدورة الدموية عند القرشي .
وفاته : توفي ابن النفيس عام 687 هـ عن عمر يناهز الثمانين من عمره ، توفاه الله في القاهرة بعد أن مرض مرضا شديدا ظل يعاني منه ستة أيام بعد فشل الأطباء اقناعة بالعلاج بالخمر لأنه أراد أن يموت على غير معصية حيث قال ( لا ألقى الله وفي جوفي شئ من الخمر ) .